|
جاءت الأغراض الشِّعريّة التي نَظَم الشاعر سلمان بن محمّد الفَيفي فيها من التنوّع بحيث شملت: السياسيّ، والوطنيّ، والعاطفيّ، والاجتماعيّ، إلى غيرها من المجالات. ولا غرو، فشِعره نتاج قرابة أربعين سنة من الشِّعر. مع أني لا أشكّ في أن الشاعر قد ضيّع من نتاجه ما يُعادل ما أَبْقَى، وربما أكثر؛ إذ لم يكن مهتمّاً بجمع شِعره في ديوان. يدلّ على هذا مثلاً عثوري مؤخّراً على قصيدة له، لم تكن لديّ حين جمعتُ ديوانه، بعنوان (أهلاً وسهلاً)، نُشرتْ (الأحد 20 ذي الحجّة 1393هـ= 13 يناير 1974م، في العدد 801 من جريدة (الجزيرة)، ص4)، وأُعيد نشرها (الجمعة 9 ربيع الأول 1430هـ= 6 مارس 2009م، العدد 13308، ص40)، فيما تعيد الجريدة نشره من أعدادها القديمة في صفحة (زمان الجزيرة)، ومطلعها:
|
أهلاً حللتمْ ضيوفَ المجدِ والشِّيَمِ |
سهلاً وطئتمْ ضيوفَ العِزِّ والشَّمَمِ |
وقيل في مناسبتها إنه (لمّا تفضّل حضرة صاحب السموّ الملكيّ الأمير سلطان بن عبدالعزيز وزير الدفاع والطيران المفتّش العام للقوات المسلّحة بزيارة فضيلة رئيس محاكم الحدود الشماليّة الشيخ أحمد بن علي العمري، أثناء زيارته لمنطقة عَرْعَر، قال الأستاذ سلمان بن محمّد الفيفي المدرس بمعهد عَرْعَر العلميّ هذه القصيدة، وألقاها في بيت فضيلته ترحيباً بسموه الكريم في هذه المناسبة الكريمة).(1) صحيح أن هذه القصيدة ما هي إلاّ قصيدته (سُلطان والجيش)(2)، الواردة في مجموعته التي قمتُ بنشرها، ولكن الشاعر قد عدّل في القصيدة كثيراً، ولم يكن ذلك الأصل القديم بين يديّ حين قمتُ بجمع قصائده.
|
|
وللمكان حضوره الفطريّ في بنية المخيّلة الإنسانيّة، حتى لقد ذهب جاستون باشلر(3) إلى أن (الأماكن التي مارسنا فيها أحلام اليقظة تعيد تكوين نفسها في حُلم يقظة جديد). وهذا يعني أن ذاكرة الأماكن تظلّ تتشكّل وتشكّل نفسيّاتنا وخيالاتنا مدى الحياة. ولئن كانت نظريّة باشلر في (شِعريّة الفضاء المكانيّ)- التي تأتي في سياق النقد الوقائعيّ (Phenomenological Criticism) (4)– تَصْدُق على علاقة الإنسان بالمكان بعامّة، من حيث إن العلاقة بالمكان تنشأ بالضرورة وتنمو لدى الناس كافّة، فإنها لتتجلّى في الأدب على نحو خاصّ بوصفه رسول الذاكرة والنفس والمخيّلة.
|
ولقد كانت مخيّلة المكان مَنْجَماً صاحَبَ مخيّلة الشاعر العربي دائماً، بطبيعة الفضاء الصحراويّ أو الريفيّ الشاسع اللذين يضطرب فيهما، واضطراره إلى الترحّل المستمرّ من مكان إلى آخر، وذاك ما تجلّى قديماً لدى شعراء العربيّة، في الوقوف على الأطلال مثلاً وبكائها، وفي وصف الصحراء، والطبيعة بعامّة. على أنه يلفت النظر في الشِّعر الحديث على وجه الخصوص استثمارُ عناصر المكان في كثافةٍ من التوظيف الواعي، بوصف تلك العناصر معادلات تعبيريّة عن لحظات شِعريّة، تأخذ موقعها من جغرافيّة النصّ.
|
|
(1) انظر: موقع (الجزيرة): /archive.htm/2009/20090306/za2.htm
|
(2) انظر: الفَيفي، سلمان، (2007)، مرافئ الحُبّ، تح. عبدالله بن أحمد الفَيفي (جازان: النادي الأدبي)، 219.
|
(3) كتاب باشلر بالفرنسيّة هو: Bachelard, Gaston, (1957), La Poétique de l éspace, (Paris: Ed Puf) ، والنص مقتبس من ترجمته إلى العربيّة: (1980)، جماليّات المكان، تر. غالب هلسا (بغداد: دار الحريّة)، 44.
|
(4) تُرجم المصطلح في العربيّة إلى (النقد الظاهراتيّ)، جمع ظاهرة، وأجد هذا المصطلح ملبِساً، موهِماً. وPhenomenon تعني: حقيقة، أو حادثة، أو صورة تلفت الانتباه وتجذب الاهتمام، وبالجُملة: واقعة ما مؤثّرة. ولذا أرى الأقرب إلى دلالة المصطلح في الحِسّ العربيّ أن يقابَل ب: (النقد الوقائعيّ)، جمع: واقعة؛ لأن هذه المفردة أدلّ على التفاعل بين الذات ومحيطها وأحداث ذلك المحيط، فيما كلمة (ظاهرة) يتركّز إيحاؤها على جانب صوريّ من الرؤية، أو على حيّز اجتماعيّ من النظر. ويعني النقد الوقائعيّ: ذلك النقد الذي يَسْبُر وعيَ الذات المبدعة بحراك العالم من حولها، من أشياء وأحداث. (وانظر في هذا مثلاً، الرويلي، ميجان، سعد البازعي، (1995)، دليل الناقد الأدبيّ، (الرياض: العبيكان)، 149- 152).
|
http://alfaify.cjb.net |
|