Al Jazirah NewsPaper Thursday  24/12/2009 G Issue 13601
الخميس 07 محرم 1431   العدد  13601

أعراف
الشجر (3)
محمد جبر الحربي

 

وأحب الإنسان الشجر كما أحب أولاده فسمى به منذ بدء التاريخ فاختار للرجال مما اختار: ريان، وباسق، ولادن، وعوسج، وريحان، وأثيل، ورياض، وطلحة، وقتادة، وشبام، وثامر، وغصن، وغياض، وترقق مع النساء فسمى جلنار وهو اسم فارسي ويعني زهر الرمان، وجنى، ولِينة وتالة من النخل، وطرفة، وبانة، وأثلة، ورند ومنها رندة، ورندا من رنداء، وزينب، ونورة، وزهرة، وسوسن، وروضة، وجنة، وأفنان، وزعفران، وخيزران، وسروة، وبان، وليلك، ونسرين، ولم ينس الموز فسمى: موزة.

وإن كانت الدول قد اتخذت من الكواكب والنجوم رموزاً لإعلامها دلالة على القوة والعلو والرفعة، فقد اتخذ بعضها من الشجر علَماً وشعاراً ورمزاً، فاقترنت لبنان بشجرة الأرز، والسعودية بالنخلة، وكندا بورقة شجرة القيقب ذات الألوان الجميلة رمزاً في علمها، والشجرة ذاتها كشعار رسمي.

وكما كان الشجر مصدراً لإلهام الأسماء، كان مصدراً وملهماً لخيال المبدعين، ولدهاء المحاربين، وفي فيلمThe Lord Of The Rings يقاتل الشجر إلى جانب قوى الخير والنور ضد قوى الشر والظلام، وعلى ذكر الأساطير، فللشجر حضور وشعر وموت مع زرقاء اليمامة، وقصتها الشهيرة التي غدت أسطورة، وقد وردت في أكثر من سيرة وتاريخ، نوجز ما أوردته وكيبيديا الموسوعة الحرة: في كتاب العقد الفريد:

(زَرقاء بني نُمير: امرأة كانت باليمامة تُبصر الشَعَرةَ البيضاء في اللبن، وتَنْظُر الراكب على مسيرة ثلاثة أيام، وكانت تُنذر قومها الجُيوش إذا غَزَتهم، فلا يَأتيهم جَيْشٌ إلا وقد استعدُّوا له، حتى احتال لها بعضُ مَن غزاهم، فأمر أصحابَه فقطعوا شجراً وأمْسكوه أمامهم بأيديهم، ونظرت الزَرقاء، فقالت: إنِّي أرى الشجر قد أقبل إليكم؛ قالوا لها: قد خَرِفْت ورَقّ عقلُك وذَهَب بصرُك، فكذَّبوها، وَصبِّحتهم الخيلُ، وأغارت عليهم، وقُتلت الزَّرقاء. قال: فَقوَّرُوا عَينيها فوجدوا عُروق عينيها قد غرِقت في الإثمد من كثرة ما كانت تَكْتحل به).

وقد استند الشاعر الكبير أمل دنقل على هذه القصة ليحكي نكسة حزيران 67 شعراً، في قصيدته الرائعة البكاء بين يدي زرقاء اليمامة:

قلتِ لهم ما قلتِ عن قوافل الغبارْ

فاتهموا عينيك، يا زرقاء، بالبوارْ

قلتِ لهم ما قلتِ عن مسيرةِ الأشجارْ..

فاستضحكوا من وهمكِ الثرثارْ

وحين فوجئوا بحدّ السيفِ: قايضوا بنا

والتمسوا النجاةَ والفرارْ

ونحن جرحى القلبِ،

جرحى الروح والفمِ

لم يبقَ إلا الموتُ والحطام والدّمارْ.

ومن حطام الأشجار ينشأ العمار، عمار المدن والحضارة عبر الصناعة القائمة على الأخشاب، أو عبر مسيرة الإنسان والعلم في استغلال كل ما في الأشجار من الجذور وحتى الأوراق والزهور والثمار، ومن الأغذية والأدوية وحتى مستحضرات التجميل والعطور.

mjharbi@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد