تشكّل قضية المناخ هاجساً مقلقاً للشعوب المتحضّرة، باعتبار أنها القضية التي تثير القدر الأكبر من التجاذبات، ورغم ذلك فلم يحرز مؤتمر الأمم المتحدة للمناخ المنعقد في الدانمرك أي تقدم! بل كان اتفاقاً محدود الطموحات لمكافحة الاحتباس الحراري، وبعيداً جداً عن الآمال التي عُلِّقت عليه بعد عمليات الاستنفار والتعبئة غير المسبوقة استعداداً له.
وكانت الرئيسة الدانمركية كوني هيديغارد قد أبدت أثناء المؤتمر مخاوفها من تداعيات الاحتباس الحراري وقالت: (إن الثمن السياسي لفشل مؤتمر كوبنهاغن مرتفع جداً بالنظر إلى اتساع التعبئة لأجل المناخ عبر العالم).
وحدد الاتفاق النهائي بين الدول في حده الأعلى سقف ارتفاع حرارة سطح الأرض بدرجتين مئويتين مقارنة بما كانت عليه قبل الثورة الصناعية. وقرَّر إنشاء صندوق مالي برصد مبلغ 30 مليار دولار على الأمد القصير لمدة ثلاث سنوات، لمساعدة الدول الفقيرة على مواجهة تداعيات هذه الظاهرة والتصدي لتغيّر المناخ. بينما دعا الاتفاق في حده الأدنى الدول الصناعية والدول النامية إلى تأكيد التزامهم خطياً بتقليص انبعاث الغازات الدفيئة بنهاية (يناير2010) ورغم توفر آليات تضمن الشفافية في التطبيق، إلا أنه لم يُحدَد موعد نهائي ليتم بعده تقليص تلك الانبعاثات في شكل تدريجي.
وأثناء انعقاد المؤتمر شهدت عشرات الدول المتقدمة مسيرات شعبية ضد ظاهرة الاحتباس الحراري لحث الساسة على اتخاذ إجراءات جريئة للحد من انبعاثات الغازات الدفيئة، وإبرام اتفاقات جادة. وتجمع مئات الأشخاص في بعض الدول ونظموا مسيرات مطالبين زعماء العالم الذين يحضرون قمة المناخ بإيجاد حلول لظاهرة الاحتباس الحراري، واتخاذ إجراءات أكثر صرامة ضد مخاطر التلوث وتهديد البيئة.
والحق أننا كشعوب نحلم بقيام الدول المتقدمة بتزويد الدول النامية بالتكنولوجيا الخضراء الجديدة مثل طاقة الرياح والطاقة الشمسية وتشجيع زراعة الغابات واستخدامها في امتصاص الغازات المسببة لارتفاع درجة حرارة الأرض، بدلاً من تقديم المساعدات المادية، حيث اتفقت الدول الأوروبية على تقديم مساعدة بقيمة 2.7 مليار دولار لهذه الدول خلال ثلاث سنوات كأفخاخ منصوبة أو رشوة على الصمت. وقد شبَّه ممثل أرخبيل توفالو الصغير في جنوب المحيط الهادئ هذا الاتفاق ب(حفنة من الأموال من أجل خيانة شعبنا ومستقبلنا) بعد انتقاده بشدة مشروع الاتفاق.كما أثار هذا الاتفاق مشاعر الدول النامية، ورآه البعض بأنه انتهاك لتقاليد الأمم المتحدة وسيضع الفقراء في حال أسوأ، حيث اتضح أنه ليس اتفاقاً وإنما فرض فرضاً قاسياً. وأصيب كثيرون بخيبة أمل لدرجة قيام نشطاء من دعاة الحفاظ على البيئة بحلق شعر رؤوسهم احتجاجاً على الاتفاق المحبط، وعلى تنصّل الدول الكبرى عن الاضطلاع بمسؤولياتها تجاه السيطرة على تغيّر المناخ.
ولعل فشل سنوات المفاوضات في ضمان عالم أكثر أمناً للأجيال المقبلة، كان بسبب بروز الفك السياسي في المؤتمر وسعي الدول العظمى لرعاية المصالح الاقتصادية مقابل انحسار لثة أنصار البيئة المخلوعة الأسنان.
ولئن كانت المؤتمرات الشكلية الاستعراضية التي يحضرها قادة الدول الكبرى تدور في محيط مصالحها، فإنه يجب ألا نعوّل عليها كثيراً، ولا نعقد عليها الآمال العريضة.
وحتى لا يهلك المستضعفون بعمل المستكبرين الطاغين؛ فلا بد أن تتنبه الشعوب وتتوقف عن تدمير الأرض التي تعيش عليها. حيث يبدو أن كل مخلوق يحمل في داخله معاول تدميره. وإن لم يفعلوا فعليهم البحث عن كوكب آخر أكثر نقاء، وسكان أكثر وعياً وحباً لكوكبهم.
وقبل أن تلقي الأرض بسكانها وتتخلى، علينا أن نكون معها أكثر لطفاً، وأعظم نبلاً، وأجلّ سمواً!
www.rogaia.net
rogaia143@hotmail.com