Al Jazirah NewsPaper Thursday  24/12/2009 G Issue 13601
الخميس 07 محرم 1431   العدد  13601
كدش درواس
علي الخزيم

 

تحدثت كتب الأدب وقصص النابهين أن فتىً يدعى درواس بن حبيب كان طلق اللسان فصيح الكلام حاضر البديهة، غير أنه غريب الهندام كثّ شعر الرأس، يترك غرته نافرة فوق جبينه لا يهتم بتسريح شعره وتحسينه ويقال في بعض ما ورد أن هذا ما يسمى (الكدش)، ولدرواس الفتى العربي النابغ في صناعة الكلام موقف اجتماعي هو الأشهر فيما روي عن سرعة خاطره وحضوره الذهني مع أدب جم وخلق حسن كان يصرف الرائين له عن فوضوية شعره وتنافر ألوان ملابسه، ذلكم أن الحال في مجتمعه ذات سنة مجدبة قد تدنى إلى مستوى اقتصادي مقلق، فهرع علية القوم وكبارهم لتدارس أمرهم فشكّلوا وفداً للتشرف بمقابلة الخليفة، وعند الموعد كان درواس أول الحاضرين إذ إنه يرى في قرارة نفسه أنه مؤهل لأن يكون بين أعضاء الوفد وواثق من قدرته على الحديث مع الملوك والحكام بما يرقى لفهمهم ومراتبهم ولا يخيب آمال قومه، وحينما وقفوا بين يدي الخليفة وبعد أداء واجب التحية كان الخليفة يجول بنظره بين الرجال ثم لا يلبث أن يعود ويصوب نظره إلى درواس (الكدش) وفي عينيه علامات تعجب واستفهام، ففطن درواس لذلك وابتسم للخليفة الذي بادره بابتسامة ثم سأله ما شأنك أيها الغلام، هل لك حاجة؟!

وبلباقة ولطف تقدم درواس خطوتين نحو كرسي الخليفة واستأذن بالكلام، فتحدث بكلام قد يعجز عنه الكبار المشتغلون بصناعة الكلام وفنونه، فبعد مقدمة لطيفة تليق بالمقام بيّن فيها هدف القدوم، قال: (إن كان عندكم فضول أموال فإن كانت لله فقدموها لعباده، وإن كانت لكم فتصدقوا بها على رعاياكم، وإن كانت لنا فلا تمنعوها عنا).

فقال الخليفة: لم يترك لنا هذا الغلام فسحة من الأمر، وأصدر توجيهاته وقراراته العاجلة بمعالجة أوضاع الرعية وأدق، إذن هذا درواس الكدش في ذلك الوقت، وكانت تلك بعض صفاته ومواقفه، لم يكن بالمتميع العاطل، لم يكن على تلك الحال من فيض النعمة بطراًَ بها وكفراً، لم يكن متخلياً عن واجبه الأسري والاجتماعي، لم يترك الأهل والجماعة ويبحث عن شِلل الأنس في المقاهي والتجمعات الليلية، بل كان المسارع لمرافقة الكبار ذوي الخبرة والتجربة مشاركاً بالرأي وهو الغض ومتحدثاً وهو الحدث الصغير، كدشه لم يكن لولعه بصغائر الأمور من القشور وتوافه الأشياء التي لا تجلب لصاحبها سوى مزيدٍ من النقص والقصور في نفسه وبين أهله وأسرته، فحينما ضاقت به وبأسرته الحال لم تقصر به الهمة عن تتبع نوادر الأدب وأخبار وقصص آبائه وأجداده الأولين واستلهام الدروس من أمجادهم وإنجازاتهم بقدر ما استطاعوا ومتابعة المسيرة تطويراً وتحديثاً بقدر المستطاع أيضاً وكل في مجاله وفنه وصناعته..

أعود لأقول إن فتياناً بيننا استحبوا نهج الكدش في ملبسهم وشعر رؤوسهم إلى حد يؤذي النظر ويقبض الأنفس، لكن هل نحاربهم ونعنفهم؟ لا، بل أرى من الأفضل احتواءهم باللطف واللين والتعرف على رغباتهم وحاجاتهم ولاسيما النفسية العاطفية واجتذابهم لأحضان الأسرة وإشراكهم في شأنها وهمومها تدرجاً مع رفع معنوياتهم باعتبارهم قياديين في اتخاذ القرار الأسري في حدود ما يناسبهم ويلائم قدراتهم وسنجدهم كما نريد لهم ومنهم.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد