Al Jazirah NewsPaper Friday  18/12/2009 G Issue 13595
الجمعة 01 محرم 1431   العدد  13595
إشكالية فهمنا للبوب آرت
كيف نقوم بنسخ الأساليب الفنية الغربية دون وعي بماهيتها؟

 

سبب كتابة هذا المقال أو العرض إذا جاز لنا التعبير هو ما ذكرته الفنانة الأمريكية (لوري قودريد) أثناء زيارتها إلى المملكة في شهر شوال من هذا العام، حيث استضافها الفنان التشكيلي علي الرزيزا في منزله مع نخبة متنوعة من التشكيليين والمثقفين وغيرهم!، المهم في هذا الصدد أن خلال حديثها مع مجموعة من الحضور ذكرت اسم (اندي وارهول) (Andy Warhol)، وتفاجأت بأن من حولها لا يعرفه!، بالطبع ليس من المهم أن نعرف رائد تيار فني أمريكيا مقابل أن نعرف رائدا من رواد الحركة التشكيلية المحلية، والعكس صحيح فلوري لم تعرف أيا من الفنانين السعوديين قبيل حضورها، ولكن ما يهم في هذا الصدد (إذا استبعدنا ضحالة ثقافتنا) هو كيف نقوم بنسخ الأساليب الفنية الغربية دون حتى وعي بماهيتها وكيف نشأت ومؤثراتها، ولا نعي تطور الفن لدينا وكيف نربطه بعوامل طبيعية بدلا من النسخ واللصق الذي أعمى عيوننا.

لذا رأيت أن أقوم بدوري هنا من خلال التعريف برائد البوب ارت في أمريكا مع محاولة وصف وتوضيح مفهوم البوب آرت (أو فن الشعب كترجمة حرفية) وكيف استقبله الفنانون العرب بالتأثر الإيجابي والمترافق مع ذات المؤثرات الأصلية، أو بالنقل السلبي لمجرد البحث عن حداثة موهومة!

تعود بداية هذا التيار إلى الستينيات من القرن العشرين، وتكمن الفكرة الأساسية للبوب أرت أو فن الشعب في استخدام الصور المعتادة التي يشاهدها العامة عبر جهاز التلفزيون، مثل نجوم السينما والإعلانات التجارية، لذا لا توجد فلسفة عميقة بقدر ما هو التسطيح في المفهوم المباشر.

ولعل المحفز الأكبر لهذا التيار هو ازدياد النشاط التجاري بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية وتطور الصناعة ومن ثم الإعلانات التجارية وأيضا تكرار ظهور النجوم في التلفزيون كالأفلام السينمائية مثل مارلين مونرو والفرق الموسيقية مثل البيتلز أو نجوم الروك مثل الفيس بريسلي، بل وحتى نجوم السياسة مثل جاكلين كنيدي.

أيضا يمكن ربط ظهور هذا الاتجاه كردة فعل عكسية تجاه التيارات التي سبقته كالتكعيبية والتجريدية والتجريدية التعبيرية، ومدى استياء نسبة كبيرة من المتلقين بسبب عدم استيعاب فحوى هذه الفنون ومعاني الأعمال الفنية، لذا أراد أصحاب هذا التيار إعادة تشكيل المشهد البصري حتى يصبح مقبولا لدى العامة أو عموم الشعب لا الفئة المثقفة فحسب!

أما الاسم (Pop Art) فهو وصف سلبي لهذا التيار من قبل الناقد الانجليزي لورنس اولوي، الذي استهجن الأسلوب المادي لهذا الفن حين أطلق عليه هذا اللقب، الذي أعجب متبعيه لدرجة تبنى هذا الاسم.

أيضا يجب أن نعي الحالة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية التي كانت تعيشها الولايات المتحدة وقت ظهور هذا التيار، فإضافة إلى التطور التكنولوجي والاقتصادي وظهور الإعلانات التجارية، وازدهار صناعة الأفلام والفرق الموسيقية، كان النظام الرأسمالي مقابل الشيوعية في الاتحاد السوفيتي والحرب الباردة، وانتخاب جون كندي ومقتله، وازدياد حركات مناهضة العنصرية، وأصبحت المظاهرات حدثا متكررا خصوصا ضد الحرب في فيتنام، كما انتشرت ظاهرة (الهيبز) وما تبعها من انتشار للمخدرات وانفتاح جنسي، مقابل البحث عن مصادر جديدة للعقائد فكان البحث عن البوذية وأيضا الإسلام الذي اعتنقه نسبة من السود في ذلك الوقت مع حركات سياسية ومظاهرات ضد العنصرية أبطالها مارتن لوثر كينج ومالكوم إكس.

ورائد البوب آرت الذي ذكرناه في مقدمة هذا المقال هو أندي وارهول الذي نزح أبواه من تشيكوسلوفاكيا، ودرس التصميم ليعمل في مجال تصميم ورسم الإعلانات في عدد من المطبوعات حين كان يسكن في نيويورك، كما كان يقوم بتنفيذ لوحات إعلانية بعض المحلات التجارية، ومن هنا نستوعب منشأ الهوس بمضامين الإعلانات التجارية التي قد نشطت في هذه الفترة (نهاية الخمسينات من القرن العشرين) بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية.

لذا استخدم وارهول عناصر إعلانية مثل علب الحساء الجاهزة أو صور مارلين مونرو بألوان مختلفة!، كما كان مهووس بما يمكن أن نطلق عليه (قمامة) فهو يرى فيها فناً، وكان شقيقه الذي يعمل في مجال جمع القمامة يحضر له قطع يعتقد أن آندي قد يستخدمها في فنه، وفي نهاية الأمر تجمع لديه مجموعة كبيرة من القطع باعتها سوثبيز بعد وفاته في مزاد بقيمة 30 مليون دولار!

نعود إلى العالم العربي، ولعل الفنان الفلسطيني/ الأردني الأصل، والمقيم في السعودية (ايمن يسري) أفضل مثال لاستيعاب معاني البوب آرت وهضمه وإعادة طرحه وفق الثقافة الخاصة بالفنان، ويسري يعيد لنا صياغة (أفلام زمان) التي تلاقي صدى في نفوسنا أيام هيمنة السينما المصرية، ولكن طرحه أتى بفكر جديد، ربما يتجلى في عمل (محارم) الذي يصنف ضمن الفكر (المفاهيمي) هذا العمل عبارة عن مستنسخات من إعلانات الأفلام المصرية الدرامية القديمة، التي ألهمت الفنان وجيل كامل من المبدعين، لما لها من تأثير درامي مثله يسري بعلب المحارم كناية عن البكاء الذي يصيب متابعي هذه الأفلام، وحاجتهم إلى المحارم لمسح الدموع، كما أن كلمة محارم ذات ارتباط آخر بمفهوم الأقارب أو العائلة اللذين يمثلون حماية وجدانية للإنسان.

وعلى صعيد آخر، شدني ما نشر قبل فترة تحت عنوان (جدة تشاهد 40 لوحة بوب آرت) الذي اعتقدت لوهلة أنها أعمال أندي ورهول وجماعته!، ولكن اتضح أنه تقرير نشرته إيلاف نقلا عن صحيفة عكاظ عدد الأحد 25 أكتوبر 2009، حول معرض باسم الشرقي (مزاج) الذي لم أحضره شخصيا، ويزعم التقرير أن (الفنان باسم الشرقي واحد من أبرز فناني الجيل الثالث في المحترف التشكيلي السعودي، ويتمتع بأسلوب خاص وشخصية فنية متفردة تميزه عن أقرانه من التشكيليين السعوديين، حيث يقدم البوب آرت بقدرة ومهارة عاليتين).

بالطبع نفترض حسن النية على اعتبار أن باسم يرغب في تثقيفنا؟ خصوصاً أن لديه مجموعة متميزة من الأعمال وكان خط العمل لديه مبشرا ودالا على امتلاكه للثقافة والأدوات التي تؤهله للإبداع، ولكن عملية النقل دون تقديم فلسفة جديدة خاصة بالفنان وفكر مطروح ربما يكون مقبولا في فترات الدراسة من مبدأ التعلم من الأسلوب كمنطلق، مثلما يتعلم دارس الفنون من خلال النقل من لوحات كلاسيكية، ولكن لا يمكن أن يتم عرضها على أنها إبداع فكري وهو المضمون الذي يجب أن نبني عليه عملية العرض، خصوصا في المعارض الشخصية، وهو ما أنقد فيه معرض الشرقي الذي يُعّد الرابع من سلسلة معارضه الشخصية.

أو ربما يعتقد البعض إن إعادة تقديم ثقافة الغير التي تركوها أو تجاوزوها يعد تجديدا أو صياغة جديدة أو ربما ترجمة للفن؟ علما بأن الصورة لا تحتاج للترجمة وفق معلوماتي المتواضعة! وهل النسخ إبداع؟ بل أي ضمير يسمح لنا بهذا النسخ؟ هل هو نفس الضمير الذي يسمح لنا بشراء البحوث الجاهزة والشهادات المزورة!، والأعجب من ذلك ما هو دور القائم أو القيم على المعرض والمفتتح والناقد خصوصا أنهم جميعا ممن لهم مكانة مرموقة في الحركة التشكيلية المحلية؟ (طه صبان، عبد الله ادريس، هشام قنديل)، فأين هم جميعا من موضوع النقل واجترار ثقافة الآخر مقابل تشجيع الإبداع؟

د. مها السنان



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد