من المعروف لدينا جميعاً أن أهداف الوظيفة العامة، وهي الوظيفة التي تتبع الأجهزة والمؤسسات الحكومية، تنحصر في هدف واحد هو تقديم الخدمة العامة للمواطنين، وتأمين سير المرافق العامة من تعليمية وصحية وفنية وإعلامية،،
وعدلية وأمنية واجتماعية وزراعية، ونحو ذلك، من دون أي مقابل مادي أو معنوي؛ ولذلك عرفت بالوظيفة العامة؛ فوظيفة الطبيب التابع لوزارة الصحة مثلاً وظيفة عامة؛ لأنها تقدم خدمة صحية مجانية للمواطنين، ووظيفة المعلم في وزارة التربية والتعليم وظيفة عامة؛ لأنها تقدم خدمة ثقافية معرفية مجانية لناشئة وشباب الوطن العزيز، ووظيفة المهندس المدني والكهربائي الموجودة في العديد من الأجهزة الحكومية المعنية وظيفة عامة؛ لأنها تقوم عن طريق شاغلها بالتأكد من سلامة الأجهزة والمباني التي تقدم عن طريقها خدمة المواطنين، ووظيفتا كاتب العدل والقاضي وظيفتان عامتان؛ لأنهما تقومان بتوثيق الممتلكات والفصل في الخصومات..
ولأن الوظيفة العامة تتصف بالعمومية وتقديم الخدمة الشاملة لسائر المواطنين فإن ذلك يتطلب وجودها في كل المناطق وما يتفرع عنها من محافظات ومدن وقرى وفقاً لدراسات وإحصاءات ومعلومات تنظيمية؛ وذلك من أجل تقديم الخدمة للمواطنين في أماكن إقامتهم؛ لذا فإنه من أجل تفعيل ذلك ينبغي للموظف أن يمارس أو يباشر عمل الوظيفة التي عُيِّن أو رُقِّي أو نُقِل إليها مباشرة فعلية، وفي مقرها؛ وذلك لكي يقوم بأداء واجباتها وخدماتها لإخوانه المواطنين في مقرها، وهو بذلك يكون قد التزم بما يقتضيه النظام من ضرورة مباشرة الموظف المعيَّن أو المرقَّى أو المنقول لأعمال وظيفته التي عُيِّن أو رُقِّي أو نُقل إليها، كما أنه يكون بذلك قد أدى أمانة الوظيفة التي عُيِّن أو رُقِّي عليها أو نُقل إليها، وأبرأ ذمته أمام المولى عزَّ وجلَّ؛ ولذلك فإن على الموظف المعيَّن أو المرقَّى أو المنقول خارج مقر عمله أو من إدارة إلى أخرى داخل مقر عمله عدم المطالبة بالبقاء في ممارسة وظيفته السابقة لأنها لم تعد وظيفته، بل هي وظيفة مواطن آخر سوف يتم تعيينه أو ترقيته أو نقله إليها، إلا إذا حصل نقل أو تكليف نظامي وحسب الضوابط التي تحكم النقل والتكليف، كما أنه إذا حصل أن تصرفت جهة عمل الموظف بعدم تمكين الموظف من ممارسة عمل وظيفته الأساسية فعلى الموظف عدم السكوت عن ذلك بل عليه مطالبة جهته بالطرق المناسبة بتمكينه من مباشرة مهام وظيفته لكون ذلك يتماشى مع ما ورد في الأنظمة الوظيفية، ولأن الموظف إذا لم يباشر مهام وظيفته الأصلية فسوف يخسر الخبرة التي يفترض اكتسابه لها بالممارسة الفعلية لمهام وظيفته؛ ما سوف يؤثر عليه سلباً عند النظر في ترقيته، كما أنه سيخسر المزايا المادية المقررة لوظيفته إن كانت من الوظائف التي يصرف لها بدلات لن تصرف له إلا إذا كان يمارس مهام وظيفته بصفة فعلية، كما لن يستفيد من بدل الترحيل، وهو راتب شهرين، إذا كانت ترقيته أو نقله لمصلحة العمل خارج مقر وظيفته السابقة بمسافة لا تقل عن (75) كم إلا في حالة مباشرته الفعلية وليس الصورية لمهام الوظيفة المرقَّى أو المنقول إليها؛ لأن هذا البدل لا يصرف إلا لمن انتقل بصورة فعلية وقام بنقل عائلته وأثاث منزله، إضافة إلى أن عدم ممارسة الموظف لأعمال الوظيفة المثبت عليها بتعمد منه قد يعرضه للمساءلة التأديبية وتوقيع إحدى العقوبات التأديبية عليه، وهو ما سوف يؤثر سلباً على مستقبله الوظيفي.
ومما يلاحظ مع الأسف أن بعض الإدارات تتعمد إبقاء الموظف لديها بعد ترقيته من الوظيفة التابعة لها إما برغبتها أو برغبة الموظف نفسه وموافقة إدارته على ذلك، وبالذات إذا كانت ترقيته خارج مقر عمله، وهو الأمر الذي يؤدي - علاوة على تعطيل الأنظمة - إلى وقف خدمات الوظيفة التي تمت الترقية إليها وحرمان المواطنين من هذه الخدمة التي أوجدتها الدولة من أجل تقديم هذه الخدمة في المكان المخصص لها، وفي نفس الوقت يؤدي إلى عدم تمكين من سوف يعين أو يرقى على وظيفته السابقة من مباشرة مهامها وما يترتب على ذلك من تسيب وعدم تطبيق الأحكام الوظيفية.
ووزارة الخدمة المدنية بحكم مسؤوليتها تقوم باستمرار بالتأكد من مباشرة الموظفين المعينين أو المرقين لأعمال وظائفهم المعينين أو المرقين إليها، إما عن طريق الزيارات الميدانية أو عن طريق المكاتبات، وتحقق الوزارة نجاحاً في هذا المسعى في العديد من الحالات، إلا أن هناك حالات أخرى يقل فيها ذلك بسبب قيام الجهة بتسجيل مباشرة صورية؛ حيث تقوم بتمكين الموظف من المباشرة لمدة يوم أو يومين أو حتى أسبوع ثم تقوم بإعادته لمقر وظيفته السابقة تمهيداً لنقله في أقرب فرصة، وهنا يأتي دور هيئة الرقابة والتحقيق في الكشف عن هذه المخالفات ومعالجتها بالتنسيق مع جهة عمل الموظف ووزارة الخدمة المدنية.
إن مباشرة الموظف لأعمال وظيفته الأساسية أمر مهم للغاية للأسباب التي أشرنا إليها فيما سبق، إضافة إلى أنها تؤدي إلى توطين الوظائف الموجودة في فروع الوزارات والمصالح والمؤسسات الحكومية؛ وبالتالي تخفف ضغوط العمل وتزايده في الجهاز الرئيسي؛ ولذلك فإن على الجهات الإدارية تفعيل هذا الأمر بجدية وشمولية بأن يتم تمكين كل موظف، سواء كان معيناً جديداً أو مرقى أو منقولاً، من ممارسة مهام الوظيفة التي عُيِّن عليها أو رُقِّي إليها أو نُقِل إليها؛ لأن في ذلك تحقيقاً للمصلحة العامة، وعلى الجهات الإدارية تطبيق القواعد النظامية على المخالفات التي تحصل بسبب ذلك؛ فالموظف المرقى الذي كان مقر وظيفته السابقة مثلا في العاصمة الرياض ثم يرقى إلى مرتبة أعلى في منطقة القصيم، أو الموظف الذي كان مقر عمله في جدة ورقي في الدمام، ثم يمتنع عن مباشرة مهام وظيفته التي رقي إليها مع أنه قد أخذ عليه تعهد بضرورة المباشرة في مقر الوظيفة إذا تمت ترقيته، فإن على جهة عمله إلغاء قرار ترقيته إذا لم يباشر عمل وظيفته المرقى عليها دون عذر مشروع ومقنع بعد مضي شهرين حسب ما ورد في لائحة الترقيات، كما أن بإمكان جهة عمله إحالته للمساءلة التأديبية للتحقيق معه وتوقيع إحدى العقوبات المناسبة عليه؛ لأن تصرفه أدى إلى تعطيل أعمال الوظيفة التي رُقِّي عليها؛ ذلك أن مباشرة مهام الوظيفة العامة هو الهدف الرئيسي من شغلها؛ فالموظف وجد من أجل الوظيفة وليس العكس، والوظائف والمراتب والمزايا تقرر للوظائف وليس للأشخاص، كما أن ترقية الموظف على وظيفة لن يقوم بمباشرة عملها ستؤدي إلى حرمان أحد زملائه الآخرين ممن لديه الاستعداد للترقية عليها ومباشرة مهامها في مقرها.
Asunaidi@mcs.gov.sa
وكيل الوزارة المساعد بوزارة الخدمة المدنية