تقرير - الكويت - محمد بن عبدالعزيز الفيصل :
في الاتحاد قوة.. هذا هو لسان حال مجلس التعاون لدول الخليج العربي, الذي يكمل يوم غدٍ الاثنين عقده الثالث بدولة الكويت الشقيقة؛ ليتمم بزهو عامه الثلاثين بنجاحاتٍ متتالية متواصلة رسمتها السياسة الحكيمة لقادة دول مجلس التعاون الخليجي على رأسها المملكة العربية السعودية التي تحتضن مقره بالعاصمة الرياض.
يهدف المجلس إلى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في جميع الميادين وشتى الأصعدة، وصولا إلى وحدتها وتعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون القائمة بين شعوبها في مختلف المجالات, بالإضافة إلى وضع أنظمة متماثلة في مختلف الميادين بما في ذلك الشؤون الاقتصادية والمالية والتجارية والجمارك والمواصلات والتعليمية والثقافية والاجتماعية والصحية والإعلامية والسياحية والتشريعية والإدارية, ودفع عجلة التطور العلمي والتقني قدماً في مجالات الصناعة والتعدين والزراعة والثروات المائية والحيوانية وإنشاء مراكز بحوث علمية وإقامة مشاريع مشتركة وتشجيع تعاون القطاع الخاص بما يعود بالخير على شعوب الدول الأعضاء فيه.
مجلس التعاون لدول الخليج العربية عبارة عن منظمة إقليمية عربية مكونة من عضوية 6 دول تطل على الخليج العربي وهي السعودية والإمارات والكويت وقطر وسلطنة عمان ومملكة البحرين, كما يعد كل من العراق باعتباره دولة عربية مطلة على الخليج العربي واليمن (الذي يمثل الامتداد الاستراتيجي لدول مجلس التعاون الخليجي) دولا مرشحة للحصول على عضوية المجلس الكاملة حيث يمتلك كل من العراق واليمن عضوية بعض لجان المجلس كالرياضية والصحية والثقافية.
يوم الحادي والعشرين من شهر رجب للعام واحد وأربعمائة بعد الألف للهجرة؛ لم يكن عادياً فهو يوم استثنائي يسجل في التاريخ, فقد توصل فيه قادة كل من المملكة العربية السعودية، ومملكة البحرين، والإمارات العربية المتحدة، وسلطنة عمان، ودولة قطر، ودولة الكويت؛ في اجتماع عقد في العاصمة أبوظبي إلى صيغة تعاونية تضم الدول الست تهدف إلى تحقيق التنسيق والتكامل والترابط فيما بينها في جميع الميادين وصولاً إلى ما فيه وحدتها، وفق ما نص عليه النظام الأساسي للمجلس في مادته الرابعة، التي أكدت أيضا على تعميق وتوثيق الروابط والصلات وأوجه التعاون بين مواطني دول المجلس؛ فجاءت المنطلقات واضحة في ديباجة النظام الأساسي التي شددت على ما يربط الدول الست من علاقات خاصة، وسمات مشتركة، وأنظمة متشابهة أساسها العقيدة الإسلامية، وإيمان بالمصير المشترك ووحدة الهدف، وأن التعاون فيما بينها يخدم الأهداف السامية للأمة العربية.
وإذا كان المجلس في دوراته السابقة حريصاً على تنمية الدول الأعضاء وشعوبها إلا أنه لم يغب عن الصعيد الإقليمي والدولي؛ فمنذ انطلاقة مسيرته عام 1403هـ, لم يغفل القضية الفلسطينية في أي من اجتماعاته, إذ إن زعماء الدول الأعضاء يؤكدون على أن الاستقرار في الخليج مرتبط بشكل وثيق بتحقيق السلام في الشرق الأوسط الأمر الذي يعجل بالبحث عن حل عادل للقضية الفلسطينية بشكل يضمن الحقوق المهدورة للشعب الفلسطيني بما فيها حق العودة إلى الوطن وتأسيس دولة فلسطين وانسحاب دولة الاحتلال الصهيوني من جميع الأراضي المحتلة تتصدرها الأراضي المقدسة, كما أن الأحداث السياسية الخليجية والعربية المتعددة طرحت نفسها على اجتماعات مجلس التعاون الخليجي منها قضية احتلال إيران للجزر الإماراتية والقضية العراقية والسودان وسوريا والانتهاكات الصهيونية للأراضي المحتلة.
فقد وافق المجلس في دورته الثانية التي عقدت بالرياض في نوفمبر عام 1981م, على الاتفاقية الاقتصادية التي وقعها وزراء المال والاقتصاد في مدينة الرياض في يونيو من ذلك العام بهدف إزالة الحواجز بين الدول الأعضاء وتقوية الترابط بين شعوب المنطقة وتأمين التقدم والازدهار لجميع دول المجلس.
وكما أثنى في دورته الثالثة التي عقدت بالمنامة عام 1982م, ببدء تنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاقية الاقتصادية في مارس من العام 1983م ما يعني بداية التكامل الاقتصادي الذي ترمي الاتفاقية الاقتصادية إلى تحقيقه ووافق حينها على إنشاء مؤسسة الخليج للاستثمار برأسمال قدره ملياران ومائة مليون دولار أمريكي كما وافق على تحويل الهيئة العربية السعودية للمواصفات والمقاييس إلى هيئة خليجية تختص بالمواصفات والمقاييس في دول المجلس.
أما دورته الرابعة التي عقدت في الدوحة للعام 1983م فقد شملت استعراض المجلس للروابط السياسية والاقتصادية والتنسيق في الشؤون الدفاعية بين الدول الأعضاء كما استعرض الوضع السياسي في منطقة الخليج على ضوء الأحداث الجارية في ذلك الحين (الحرب العراقية الإيرانية), وفي الدورة الخامسة التي عقدت في العاصمة الكويتية عام 1984م رغبة المجلس الأعلى فتح آفاق رحبة للتعاون الاقتصادي بين بلدان مجلس التعاون وشعوبها فقد وافق المجلس الأعلى على الصيغة التي تنظم حق التملك للمواطنين في الدول الأعضاء, وفي الدورة السادسة التي عقدت في العاصمة العمانية مسقط العام 1985م, فقد وافق المجلس الأعلى على وضع برنامج زمني لتنفيذ مختلف مجالات وأنشطة التعاون الاقتصادي وتكليف المجلس الوزاري بإقرار هذا البرنامج ودراسة إمكانية إضافة أنشطة جديدة إلى الأنشطة الاقتصادية المسموح لمواطني دول المجلس بممارستها كأنشطة التأمين والتجارة وشراء وتبادل أسهم الشركات العاملة بالأنشطة التي يسمح لهم بممارستها مع وضع نظام لذلك, فصادق المجلس الأعلى في تلك الدورة على السياسة الزراعية للدول الأعضاء والإستراتيجية الموحدة للتنمية الصناعية وأهداف ووسائل التربية والتعليم والسياسات والمبادئ العامة لحماية البيئة, واستعرض حينها الوضع الأمني في ضوء تصاعد الإرهاب في المنطقة وما تعرضت له بعض دول المجلس من محاولات إرهابية استهدفت زعزعة أمنها واستقرارها, فأقر المجلس الأعلى أثر تلك المحاولات الإرهابية وما شكلته من تهديدات لدول المجلس أهداف الإستراتيجية الأمنية وأكد ضرورة سرعة إنجازها كما وافق على التصور الاستراتيجي للتعاون الدفاعي بين الدول الأعضاء, ليثبت في دورته السابعة التي عقدت العاصمة أبوظبي عام 1986م التوصيات المرفوعة حول التعاون العسكري حيث أشاد بمسار هذا التعاون وما حققته قوة درع الجزيرة من استعداد كرمز للتصميم المشترك في الدفاع الجماعي وأكد أهمية المضي في البناء الذاتي بخطى مدروسة لتهيئة الظروف والإمكانات لدعم القدرات الدفاعية لدول المجلس.
وأهاب المجلس حينها التعاون والتنسيق في المجال الأمني والاتصالات المكثفة بين الأجهزة الأمنية في الدول الأعضاء من أجل تعزيز وضمان الأمن والاستقرار لدوله, ليشيد بالخطوات التي تمت لتنفيذ الاتفاقية الاقتصادية الموحدة وفق برنامج زمني وأكد أهمية استكمال الإجراءات اللازمة لتنفيذ هذا البرنامج وتحقيق المواطنة في الأنشطة التجارية والاقتصادية, ووافق المجلس على عدد من القرارات بهذا الشأن منها السماح للمستثمرين من مواطني دول المجلس بالحصول على قروض من بنوك وصناديق التنمية الصناعية في الدول الأعضاء ومساواتهم بالمستثمر الوطني من حيث الأهلية وفقا للضوابط التي أقرت والسماح لهم بممارسة تجارتي التجزئة والجملة في أي دولة عضو ومساواتهم بمواطني الدولة.
ووافق المجلس الأعلى على ميثاق الشرف الإعلامي لدول المجلس وعلى ضوابط الإعلام الخارجي كأساس موحد للسياسة الإعلامية للدول الأعضاء رغبة في تعميق التراث وتأصيل جذوره في سلوك المواطن والتعامل مع الإعلام الخارجي بما يحافظ على تراث المنطقة وقيمها الإسلامية ومصالحها الوطنية.
وفي الدورة الثامنة التي عقدت في الرياض عام 1987م صادق المجلس الأعلى على نظام الإقراض البترولي بين الدول الأعضاء ليفوض المجلس الوزاري بالبدء بالمفاوضات الرسمية مع المجموعات الاقتصادية لاسيما المجموعة الأوروبية وفق التوصيات المرفوعة إليه من المجلس الوزاري في هذا الشأن.
وكما ناقش المجلس الأوضاع النفطية والتطورات في الأسواق العالمية السائدة حينها وأكد ضرورة الحفاظ على استقرار السوق ودعم جهود منظمة أوبك بتطبيق حصص الإنتاج وعد الحياد عنها.
وقد استعرض أوضاع التبادل التجاري بين دول العالم المختلفة مبديا قلقه للسياسات الحمائية التي تعتزم اليابان تطبيقها فيما يتعلق بفرض الرسوم والضرائب على استيرادها من النفط الخام والمنتجات البترولية.
أما الدورة التاسعة التي عقدت في البحرين عام 1988م وافق المجلس الأعلى على السماح لمواطني دول المجلس بتملك أسهم شركات المساهمة المشتركة والجديدة العاملة في الأنشطة الاقتصادي وفق القواعد المقترحة ومساواة مواطني دول المجلس في المعاملة الضريبية مع مواطني الدولة العضو التي يتم فيها الاستثمار.
وتدارس المجلس الأعلى الوضع الأمني في المنطقة وأعرب عن ارتياحه للتطورات الايجابية في المنطقة التي تمثلت في وقف إطلاق النار بين العراق وإيران وبدء المفاوضات المتعلقة بتنفيذ القرار 598 بما يعمل على سيادة الأمن والاستقرار في المنطقة وتأمين حق حرية الملاحة في المياه الدولية والطرق البحرية.
وفي الدورة العاشرة التي عقدت في مسقط عام 1989م تدارس المجلس الأعلى تطور مسيرة مجلس التعاون الخليجي بكل جوانبها ووسائل دعمها وفق الأهداف التي جسدها النظام الأساسي والوضع الأمني في المنطقة في ضوء مراحل الاتصالات حول قرار مجلس الأمن رقم 598 والوضع في الأراضي العربية المحتلة وأبعاد الانتفاضة الفلسطينية والوضع في لبنان ومساعي اللجنة الثلاثية واتفاق الطائف والتطورات العالمية والتغييرات التي شهدتها أوروبا آنذاك والوضع الدولي بعد قمة مالطا, وفي الدورة الحادية عشرة التي عقدت في قطر 1990م فهي الأهم بالنسبة لدولة الكويت إذ عاصرت عدوان نظام العراق على الكويت وفيها تدارس المجلس الأعلى الوضع الخطير في المنطقة الناجم عن احتلال النظام العراقي لدولة الكويت ذات السيادة وتهديده لأمن وسلامة الدول الأعضاء في مجلس التعاون لدول الخليج العربية, وأشارت الدورة إلى ما قد يترتب على ذلك العدوان والاحتلال من سفك لدماء الأبرياء من شعب الكويت والمقيمين فيها وتشريدهم ومن عمليات الاعتقال والتعذيب وسلب الممتلكات وانتهاك الحرمات في محاولة لطمس هوية الكويت وإلغاء كيانها.
وناقش المجلس الأعلى إثر ذلك إفرازات العدوان ونتائجه الخطيرة على أمن واستقرار منطقة الخليج والعالم العربي والأمن والسلام الدوليين معربا عن إدانته الشديدة لذلك العدوان السافر والغاشم على دولة الكويت واستمرار النظام العراقي في رفض الامتثال لمبادئ ميثاق الجامعة العربية وقرار مؤتمر القمة العربي رقم (195) وميثاق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الخاصة بالعدوان على دولة الكويت الشقيقة, ليؤكد المجلس الأعلى وقوف الدول الأعضاء حكومات وشعوبا مع دولة الكويت في محنتها ومساندتها المطلقة وتضامنها التام مع شعبها وحكومتها في جهادهما حتى التحرير الكامل, وأشاد المجلس الأعلى بصمود الشعب الكويتي ورفضه للاحتلال وتمسكه بحكومته الشرعية بقيادة أمير البلاد (الراحل) الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح معبرا عن إكباره لتضحيات أهل الكويت في وجه الإرهاب والقهر والتنكيل وعمليات الإعدام العشوائي التي ارتكبها العدو فحيا المجلس استمرار مقاومة أبناء الشعب الكويتي وتصميمهم على قهر قوى الشر والعدوان وعبر عن اعتزازه بتماسك الأسرة الكويتية الواحدة الذي تجسد خلال المؤتمر الشعبي الكويتي الذي عقد بمدينة جدة, ليؤكد مرة أخرى مطالبته القيادة العراقية باحترام المواثيق والأعراف الدولية والاتفاقيات والمعاهدات التي أبرمها مع دولة الكويت والجنوح إلى السلم للمحافظة على مكتسبات الشعب العراقي وعدم إهدار مقومات وطاقات أبنائه ودمائهم داعيا إياه إلى المبادرة الفورية وسحب قواته من جميع أراضي دولة الكويت دون قيد أو شرط, ليحمل المجلس العراق مسؤولية التعويض عن الأضرار والخسائر الناجمة عن الغزو التي لحقت بالمصالح الحكومية الكويتية والبنوك والهيئات والمؤسسات والشركات العامة أو الخاصة والاستيلاء على ممتلكاتها وأموالها وودائعها ونقلها خارج الكويت مؤكدا الحق المشروع للمتضررين من الكويتيين وغيرهم من رعايا مختلف الدول في الحصول على التعويضات العادلة عما أصابهم من أضرار وخسائر نتيجة ذلك العدوان الغاشم, وفي الدورة الثانية عشرة التي عقدت في الكويت عام 1991م تدارس المجلس الأعلى التطورات الإقليمية في منطقة الخليج في ضوء تحرير الكويت واستعادتها لحريتها واستقلالها وسيادتها وعبر عن اعتزازه بروح التضامن الأخوي والتآزر المبدئي فيما بين دوله يؤكد موقف دوله تجاه النظام العراقي الرافض التعامل معه ما لم يلتزم بتنفيذ كافة قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بعدوانه على دولة الكويت. وطالب العراق بالإسراع في تنفيذ كافة قرارات مجلس الأمن ذات الصلة لاسيما المتعلقة منها بالإفراج فورا عن كافة الأسرى والمحتجزين من الكويتيين ورعايا الدول الأخرى وترسيم الحدود بين الكويت والعراق وفق قرار مجلس الأمن (687) ودفع التعويضات عما سببه عدوانه من خسائر بشرية ومادية.
وفي الدورة الثالثة عشرة التي عقدت في أبو ظبي عام 1992م تدارس المجلس الأعلى مستجدات الأوضاع السياسية والأمنية في منطقة الخليج ومسار تنفيذ قرارات مجلس الأمن ذات الصلة بعدوان النظام العراقي, فأشاد المجلس بصدور القرار رقم 773 الذي أكد ضمان مجلس الأمن لحرمة الحدود الدولية بين دولة الكويت والعراق وعبر عن ترحيبه وتقديره للخطوات التي اتخذتها لجنة الأمم المتحدة لترسيم الحدود على الأرض بين البلدين, ليؤكد مرة أخرى المجلس الأعلى حرصه البالغ على وحدة العراق وسلامته الإقليمية وحمل النظام العراقي المسؤولية كاملة لما يتعرض له الشعب العراقي من أعمال البطش والقمع الدموي ومسئوليته عن أي معاناة إنسانية أخرى يتعرض لها الشعب العراقي نتيجة رفضه تنفيذ قراري مجلس الأمن 706 و712 اللذين يعالجان الاحتياجات الغذائية والدوائية, وناقش المجلس حينها العدوان الصربي على جمهورية البوسنة والهرسك والاعتداء على مقدسات المسلمين في الهند وهدم مسجد بابري التاريخي.