هزت تصريحات مجموعة دبي العالمية عن تعثرها عشية عطلة عيد الأضحى أركان المجتمع المالي العالمي، بعد أن بثت لبعض الوقت رسالة الانتعاش المتوقع، لتجبر دبي على الاعتراف بأن كل شيء ليس على ما يرام بالنسبة لمجموعة واسعة من المؤسسات الاعتبارية المرتبطة بالحكومة. لم يتبلور البيان بشكل واضح
في غياب ضرورة حقيقية لكنه كشف بشيء من الإحباط عن طبيعة المشكلة ومداها الحقيقي وعلى الرغم من هذه النكسة، من المهم عدم المبالغة في تقدير الأزمة. وفي هذه النقطة، ليس هنالك الكثير من الدلالات التي تشير إلى أن تأثيرها المباشر سيمتد ليتجاوز دبي بكثير. وليس من المحتمل أن تكون إعادة هيكلة الديون نفسها سيئة بقدر صدمة السوق الأولية. إجمالاً، تؤكد أزمة دبي العالمية مرونة الاقتصاد الإقليمي بقدر ما أنها تسلط الضوء على عدد من المخاطر الموجودة في النظام.
أعلنت حكومة دبي في 25 نوفمبر أنها ستؤخر جميع التسديدات المرتبطة بديون مجموعة دبي العالمية حتى نهاية مايو على الأقل. وبرز منذ ذلك الحين أن إعادة الهيكلة ستؤثر على الديون البالغة قيمتها 26 ملياراً وستشمل شركة نخيل و شركة ليمتلس. قلق السوق، مدفوع لحد كبير بسبب نقص المعلومات، تم تضخيمه بتصريح للحكومة يؤكد أن دبي العالمية هي كيان مستقل لا يتمتع بضمانها الرسمي نحو خصومها.
جاءت الأخبار السيئة بعد استعراض للقوة - بإعلان بيع حكومة دبي سندات ديون تبلغ 5 مليارات دولار أمريكي من سنداتها البالغة 10 مليارات دولار أمريكي لبنكين من بنوك أبوظبي.
إذا حكمنا من خلال رد الفعل الأولي للسوق في منطقة الخليج، كان توقيت الإعلان ذكياً على الرغم من الاتهامات الواسعة بالاستخفاف. تراجعت أسهم دبي بنحو 13% في جلستين عقب فترة ما بعد العيد، أقل بكثير مما كان يخشاه بعض المتشائمين، في حين تراجعت أسهم أبو ظبي بنحو 12%. وتراجعت الأسهم القطرية بأكثر من 8% يوم الثلاثاء بينما انخفضت الأسهم الكويتية بنسبة 2.7%. كذلك كان رد فعل الأسواق العالمية سلبياً، ولكن من غير المرجح انتقال العدوى بشكل كبير في ظل غياب المزيد من الأخبار السيئة، وعلى الأقل بسبب الموقف النقدي المتساهل للغاية في معظم الاقتصادات الرئيسية. وسرعان ما انعكس القلق في أسواق مبادلة الديون مع تضاعف مبادلة ديون دبي لخمس سنوات من 300 حتى 647 نقطة أساس. ارتفعت المخاطر السيادية لأبوظبي بنسبة 40 نقطة أساس إلى 176 نقطة.
ويظل من الصعب تقييم الدوافع النهائية لقرار دبي. من ناحية، قد تكون هي الملاذ الأخير، حيث الاعتراف بعدم كفاية الموارد أو الإرادة السياسية اللازمة لضمان دفع التزامات كبيرة مفتوحة. من ناحية أخرى، فإنها قد تكون خياراً سياسياً متعمداً بدافع الرغبة في الحصول على مساحة لالتقاط الأنفاس وتخليص الموارد من العملية الأشبه بعملية (إطفاء الحرائق) على المدى القصير إلى إعادة هيكلة أكثر جوهرية. في كلتا الحالتين، هذه القرارات قد تمثل نهاية نموذج دبي (المنيعة ضد الفشل) آخذين بعين الاعتبار التغييرات التي جرت مؤخراً في المناصب الرئيسية داخل الحكومة والقريبة منها، والتي تبدو إشارة للمضي نحو المزيد من المحافظة والمساءلة، بعيداً عن مستنقع المخاطر المعنوية. وفي حين ما يزال من الممكن أن تعيد أبو ظبي وحكومة الإمارات الاتحادية الاستقرار إلى حد أدنى من الاضطرابات، يبدو أن الحسابات حول دبي قد تغيرت: حيث أفسح افتراض الاضطراب قصير الأجل المجال أمام الاعتراف بالحاجة إلى مزيد من التكيف الهيكلي الأساسي.
يقدر أن يصل مجموع الديون الخارجية لإمارة دبي إلى 100 مليار دولار. ويبلغ إجمالي خدمات الديون الخارجية للإمارة هذا العام - معظمها في شكل قروض مجمعة - أقل قليلا بـ20 مليار دولار يليها متوسط الاسترداد السنوي 12.5 مليار دولار أمريكي في الفترة من العام 2010 - 2013م. الموعد النهائي الأكثر إلحاحاً هو استحقاق صكوك شركة نخيل البالغة 3.5 مليارات دولار أمريكي في غضون ثلاثة أسابيع. وتستحق صكوك أخرى لشركة نخيل تبلغ قيمتها 3.6 مليارات دولار أمريكي في منتصف مايو. وتشير التقديرات إلى تراجع أصول مجموعة دبي العالمية من 90 مليار دولار أمريكي في عام 2008م إلى نحو 32 مليار دولار أمريكي، أي أقل بكثير من حجمها العام الماضي البالغ 56 مليار دولار أمريكي. بالتالي، يبدو التخلص من بعض الأصول أمراً لامفر منه، على الرغم من إظهار دبي العالمية كل إشارات مقاومة البيع الاضطراري بأدنى تقديرات القيمة السوقية الحقيقية. يمكن أن تساعد العملية في القضاء على بعض الإفراط في سوق دبي، في حال معالجتها على النحو الصحيح، واضعة بذلك الانتعاش اللاحق على أساس أكثر استدامة.
يكتنف الغموض الموارد المتاحة للحكومة للتدخل وسعت حكومة دبي لضمان استمرارية المشاريع الرئيسية بواسطة صندوق دبي للدعم المالي (صندوق الدعم) الذي أنشئ حديثاً برأس مال برنامج السندات البالغ 20 مليار، والذي تم دفع ثلاثة أرباعه. مع ذلك، لا يعرف عن أنشطة الصندوق إلا القليل. ما بعد ذلك، اعتمدت إستراتيجية إدارة الأزمة حتى الآن بشكل كبير على افتراضات غير رسمية حول الضمانات والدعم بدعم رسمي قليل في شكل قوانين أو إجراءات. ربما قد بلغ هذا النهج الآن نهايته.
من المرجح أن يكون الأثر الرئيسي لخطوة دبي العالمية منصباً على القطاع المالي على ضوء مستويات الرفع المالي التي بنيت عليها معجزة دبي. ويبدو أن البنوك البريطانية - في مقدمتها إتش إس بي سي وستاندرد تشارترد - هي من أكبر البنوك التي تتعرض لدولة الإمارات، بنحو 50 مليار دولار أمريكي. وتقدر الأرقام المقابلة للبنوك الرائدة في دولة الإمارات بنحو مليارين دولار أمريكي لبنك أبوظبي التجاري، ونحو 350 مليون دولار أمريكي لبنك أبو ظبي الوطني. وحتى بعد عام من المحنة الكبيرة، ظل القطاع المصرفي في الإمارات سليماً، حيث أكد البنك المركزي مراراً وتكراراً التزامه بضمان الاستقرار، وكان آخرها في شكل تسهيلات جديدة للسيولة. كفاية رأس المال الحالية لبنوك الإمارات مريحة عند نسبة 18%، ويمكن لأكبر ستة مصارف إماراتية إقراض 15 مليار دولار أمريكي بينما تظل مكتفية برأسمالها. يأتي المزيد من المخاطر المباشرة من هبوط قيمة أدوات رأس مال الدين الصادرة عن حكومة دبي والكيانات ذات الصلة. هنالك إمكانية حصول المزيد من التصحيحات العقارية حتى عند احتمال انتهاء التراجع الأكثر حدة. في نفس الوقت، قد ترتفع تكاليف تمويل البنوك، على الأقل في الأجل القصير. هذا اعتبار هام مع بلوغ مجموع القروض إلى الودائع نسبة 104% كما في شهر أكتوبر، ومن المرجح أن تحد من قدرة البنوك على الإقراض إلى حد كبير. قد تؤثر الأزمة سلباً على الجهود الجارية لتطوير أسواق الدين الإقليمية. بالإضافة إلى ما تمثله مشاكل معينة حول إصدار الصكوك وإعادة الهيكلة، فإنها تشكل اتهاماً واسع النطاق للرفع المالي، وما تزال هذه الإشكالات مجهولة إلى حد كبير، ومن المحتمل أن تكون خاضعة لجدل كبير. لقد ارتفع مجموع صافي الدين إلى حقوق المساهمين بدول مجلس التعاون الخليجي من 9% في منتصف العام 2007م إلى الثلثين الآن، وهو من بين أعلى المعدلات في العالم حتى الآن.
وفي حين تسلط أزمة دبي الضوء على حاجة المستثمرين للتمييز بين الأسواق الخليجية، يتجسد الخطر على المدى القريب في أن معظمهم لن يفعلوا ذلك، إضافة لنتائج فترة من القلق النسبي إزاء الأداء الضعيف مقابل الأسواق الأخرى سيستمر الكثير من المستثمرين في المنطقة في العمل ككتلة متجانسة إلى حد كبير، على الأقل بفضل الحجم المتواضع لأهم الأسواق الإقليمية، واستمرار القيود على وصول الأجانب ومع ذلك، فإن الأزمة تخلق حافزا على حد سواء، وفرصة للاقتصادات الإقليمية لتسليط الضوء على خلافاتها والانخراط في المزيد من الإصلاحات.
ولتحقيق إدارة فعالة لتداعيات الأزمة، يجب أن توفر دبي العالمية، وكذلك حكومة دبي، مستويات عالية من الوضوح واليقين. من المرجح أن يكون السبيل قدماً محفوفاً بالمخاطر، مما سيتطلب من دبي إعادة استجماع نفسها وتطوير رسالة إيجابية إن كانت تريد استعادة زخمها ودبي لديها فرصة لمفاجأة الأوساط الاقتصادية بإعادة التجميع في وقت أقرب مما هو متوقع حالياً. في الوقت نفسه، يمكن للسلطات اغتنام هذه الفرصة للانخراط في الإصلاحات التي تهدئ مخاوف بعض المستثمرين مباشرة، وتعزيز القدرة التنافسية لدبي. على أية حال، من منا يتذكر التعثر الروسي خلال العام 1998م ففي أسوأ سيناريو سيتم تأخير الإصلاح، وستظل مستويات الشفافية منخفضة، وسيتم اللجوء إلى المزيد من التصريحات المحرجة في غياب إستراتيجية واضحة لمعالجة دبي لاستعادة صحتها.
(*) كبير الاقتصاديين في الأهلي كابيتال
Jarmo Kotilaine, NCBC Chief Economist