Al Jazirah NewsPaper Monday  14/12/2009 G Issue 13591
الأثنين 27 ذو الحجة 1430   العدد  13591
بين قولين
فوق السد
عبد الحفيظ الشمري

 

تأزمالحركة المرورية، والزحام البشري حول السدود وقرب الغدران، والمستنقعات في فصل الأمطار يثير دهشة يتبعها في الغالب سؤال عن سر الهجمة الضارية من قبل البعض؟.. هؤلاء الذين ما إن تهطل الأمطار إلا وتغص هذه السدود الكبيرة منها والصغيرة، والإسمنتي أو الترابي بالمتفرجين الذين يهرعون إليها وكأنهم يحشرون، فهؤلاء الناس حولها أو بعيداً عنها لا يتذكرونها إلا إذا حبلت بالماء.

فرغم خطورة التجمهر حول السدود وفوقها ورغم تحذيرات الجهات المعنية إلا أن هناك من يتصوره غاية في الفرادة، فيما الواقعي منهم لا يراها إلا مجرد سدود تعترض سيول الشعاب والأودية شأنها شأن أي سدود في العالم، لكن لدينا هنا - فيما يبدو - سرا لم نستطع كشفه في أمر هذا التزاحم ورغبة رؤية الماء في أي سد، أو أي غدير أو مستنقع.

ما يلفت الانتباه هو أنك قد تتصور بأنه لم يبق في المدينة أحد، فقد جاء الجميع هنا أو هناك للفرجة، والتأمل، لكن الحضور فيه ما فيه من أسئلة وحدس قد يقبل الجدل إذ لا يبدو الحضور من قبيل السرور أو الحبور، وشكر الله، إنما قد يتمثل في رغبة معتادة أن يطالع بعضهم البعض في هذه الأماكن، فهناك من يحاول افتعال الدهشة من رؤية سد يختزن هذا الماء، أو المتعة في رؤية منخفض يحتفظ بالمطر عن قرب، وقد يتطور الأمر بمغامرة السباحة أو أي مخاطرة لا تحمد عقباها.

المؤذي في حفلات السدود، والغدران أيام المطر وبعده هو أن البعض ولاسيما الشباب قد يستعرض رشاقته وملاحته أمام الحضور، ليتحفهم بمحاولات يزعم فيها إظهار مواهبه المكبوتة، وبعضهم يجازف بسيارته أو دراجته أو (دبابه) أمام الرواد للفت الانتباه، وقد تنتهي هذه الفرجة أحياناً بكارثة مروعة، كتدهور سيارة بعائلة، أو غرق طفل، أو فاجعة من اختفاء شاب مشاكس بين السيارات المتراصة وكأنها في (حراج المواعين (بعد كل عصر.

وقد تتطور الحالة فيتهافت الجمهور على كل مكان غريب، وقد يصطفون بكثافة عند أي مستنقع، أو موقع انهيار طيني، أو حادث غرق، أو سيل جارف.. فلا تعجب إن رأيتهم يتجمهرون، ويتزاحمون حول كل حادث أليم، ينتج عنه منظر دموي وجنائزي ما، فهم لا يتورعون عن الاصطفاف والنظر والتأمل وكأنهم في محفل لا يمكن لأحد تفويت فرصة النظر إليه.

فصورة أي مواطن فوق السد تعكس عادة الشعور الغريب وغير المنظم، بل المشوش الذي لا هدف له أو معنى وربما خلف هذه الصور حدس يقرب لنا أسباب هذا العشق المفرط لمشاهدة السدود والتجمع حول الغدران، وهو أننا لا نزال حقيقة مأسورين بربقة العادات المتمثلة في حب الاستطلاع لأي أمر حتى وإن كان عادياً لا غرابة فيه.وربما هناك أسباب أخرى تتمثل في عادة التجمهر في أي حدث طارئ ولاسيما هطول الأمطار، وجريان السيول تتمثل في أن رؤية مشاهد أخرى كالتطعيس والتخميس والمغامرة المؤذية في القيادة الطائشة غالباً، فهؤلاء للأسف لا يأبهون إلا بهذا الواقع الذي يرونه على الطبيعة، بعد أن تشبعوا برؤيته وتأمله عبر البلايستيشن والقيم بوي والإس بوكس، وما إلى غيرها من ألعاب تشيع عادة ما هو غرائبي مثير حتى وإن كان غير مفيد.



hrbda2000@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد