أًخذ عنوان هذا المقال من شرح العكبري لبيت المتنبي الذي يقول فيه:
|
فإنَّ الجُرْحَ ينفرُ بعد حين |
إذا كان البناءُ على فَسادِ |
يقول أبو البقاء العكبري في شرحه لهذا البيت:
|
... وهذا - البيت - مأخوذ من قول الحكيم: إذا كان البناء على غير قواعد، كان الفساد أقرب إليه من الصلاح.. وهذا من أحسن الكلام.
|
هذا البيت ومعناه له علاقة بكل ما يتعلق بالإنسان وحياته، ونتمنى من كل مسؤول ومكلف في شؤون الناس أن يقرأ هذا البيت ويتفكَّر في معناه، بل في معانيه الكثيرة.
|
لو فكرنا تفكيراً عميقاً بهذا البيت ومعناه لوجدنا أنه ليس فقط من أحسن الكلام، بل هو من أحسن الكلام وأصدقه وأبينه، وهو حقيقة راسخة وواضحة تتعلق بالإنسان منذ قديم الزمن، وتختص به وحده دون سائر الكائنات الحية الأخرى، فالإنسان بما منحه الله من عقل ومواهب متعددة، هو الكائن الحي الوحيد على سطح الكرة الأرضية الذي بمقدوره أن يبني ويهدم، ويصدق حيناً ويكذب في أحيان كثيرة، ويداوي مرة ويجرح مراراً أخرى، يغره الغنى ويوجعه الفقر والعوز، يتبختر مغروراً بشبابه وصحته، ويندم وينزوي عند هرمه وعجزه، إذا ساد طغى وإذا استعبد هان وذل.. ومع كل هذه الصفات المتباينة، فالإنسان في مشكلة معقدة لا يمكنه الفكاك منها، وهي مشكلته مع الزمن، فالزمن هو الذي يكشف ماهيته وزيفه وحقيقته ولو بعد حين، فالزمن بصروفه وحوادثه يظهر ما غطّاه وستره وأخفاه، فالجروح التي يكون هو سببها تنفر وتتورم وتتقيح إذا كان علاجه لها على فساد، وبناؤه الذي يشيّده على غير قواعد سليمة ينهد ويسقط بأهون الأسباب.
|
وإذا كان علم الإنسان الذي تعلمه عن جهل وعلمه لغيره، فالزمن يبيّن أنه ملأ المكان بالجهال، الإنسان هو الكائن الحي الوحيد الذي يطمعه المال وعنده حب التملك، ولو على حساب الآخرين من بني جنسه..
|
ومشكلة الإنسان مع الزمن، أن الزمن وراءه وراءه، يلحقه في حياته وموته.. ففي حياته قد يكشف الزمن ماهيته ومعدنه للآخرين فتظهر حقيقته.. أما في مماته فقد يخلد ذكره في زمن الأحياء إذا كان له محاسن وفضائل على الناس وهو في زمن حياته، أو أن ينساه زمن الأحياء وكأنه لم يكن..
|
إن الإنسان العاقل الذي منحه الله سبحانه وتعالى البصر والبصيرة في حياته هو من يأخذ بعين اعتباره أن للزمن في مروره وحوادثه وصروفه وتقلباته علاقة وثيقة، وشاهداً لا يكذب على ما قام ويقوم به من أفعال وأعمال وأقوال تجاه بلده ووطنه وناسه، فالزمن لا يرحم أحداً، وويل لمن أؤتمن وخان وفرط من الزمن.. لأن الزمن مهما طال أو قصر سيظهر الحقيقة..
|
|