حين كانت تغيب أمي أو يغيب أبي عن الدار
تستحوذني الوحشة.. وتتسلل لقلبي..
لا يحلو المقام دونهما.. ولا تصفو الحياة إلا بوجودهما..
حتى العصافير عند زوايا النوافذ كنت أجلس إليها أحدثها عن لحظات الدفء حين يكونان، ومنتهى الفرح يعم حين ينزلان..
وفي اللحظة التي يعودان تزدان جدار الروح قبل جدار البيت، ويشرع الباب بمثل ما تشرع الشفاه، وتطرب الجوانح كما لم يكن بيني وبين الفرح سابقة..
** تخيلت البارحة كيف هي الفرحة في جنبات البيت الكبير لسلطان بن عبدالعزيز, لأبي خالد الأب بين أسرته, كيف كان غيابه عنهم موحشاً وخوفهم عليه عظيماً، وشعورهم ببعده نبضاً واجفاً، وعيناً ناظرة، وحساً حميماً حاوياً..؟
وكيف هي فرحتهم البارحة، وترقبهم آخر ثانية في الساعة موعد وصوله؟ كيف هي الأكف ترتفع فيهم، حمداً بسلامته، وكيف هي الجباه لهم، تسجد شكراً لعودته، وكيف هي الدموع منهم، تساقط فرحة بلقائه, وشوقاً لمحياه, وحنيناً لكنفه، وهو كما أدري حنون عليهم حدَّ النسمة، ودود بهم منتهى المشاعر، أب فيهم، قريب من أبنائه، زوج بينهم، رفيق بنسائه، وليٌّ عليهم، عطوف على من حوله..
** تخيلت هذا البيت الكبير قد تزيا بالنبضات، وتحلى بالابتسامات, وخفق بالدعوات, لُبست له أجمل حلل المشاعر, وبُسط بين عينيه أرق أديم القلوب, وحلقت عصافير الحب بألوان أجنحتها الزاهية صغاراً وأحفاداً وأصدقاء وقربى..
** تخيلتهم في فرحتهم سيطوقونه بأحضانهم، سيلتفون من حوله كزغب القطا وقد تشوقوا لحنوه وعطفه وابتسامته ودفئه, وهم في هذه الفرحة، على مرمى العين هذا الوطن الأكبر, قد تلألأ فكيف ببيته، والناس كلُّها تباشر بسلامته، وعودته, فكيف بهؤلاء الخاصة القريبة الغالية..؟
ولأنني على معرفة بقلوب عامرة بالحب في ذلك البيت الكبير, بيته حفظه الله، فإنني لكل نبض في هذا البيت الكبير، لكل من يحمل منه اسمه، أو يتوج بقربه, أو ينتمي لعريشته, نساء ورجالاً، كباراً وصغاراً, أهنئ هذه الفرحة، وأبارك هذه اللهفة، وأدعو أن يتمم الله السلامة والسعادة والصحة ومنتهى العافية لهذا الأب الكبير، القريب من ابنه، والصديق لأخيه والرؤوف بصغيره, والرحيم بمولاه.. وأشاركهم فرحتهم بعودته وسلامته.. هم خاصة دون كل الناس..
** ورأيت هذه الفرحة الخاصة قد انطلقت عامة تجوب في أرجاء الوطن، البيت الأكبر له من أخ داع، ومواطن راج، ومحب شغوف، وأرملة عطوف، وصغير مقتد، وكبير يتذكر، وشارع يضيء وصحيفة تزدحم حركة وحروفا، ومشاعر تدعو، وأكف ترفع للسماء تحمد الله لهذا القائد أن من الله عليه بالسلامة، وتسأله له دوامها، وأن أعاده غانما ليبقى للوطن مصدر خير وقدوة مثال..
** فمن بيته الخاص إلى بيته العام، من الوطن الصغير للوطن الكبير تنطلق الفرحة ولهما عاد سلطان، عاد الأب والأخ والابن، عاد القائد الذي له في كل عماد لبنة، وفي قلب خفقة، وله على كل لسان دعاء عريض أن يحفظه الله.
** والتهنئة بسلامة صاحب السمو الملكي الأمير سلطان لقيادة الوطن وقادته وجميع من في نسيجه نبضاً.