Al Jazirah NewsPaper Friday  11/12/2009 G Issue 13588
الجمعة 24 ذو الحجة 1430   العدد  13588
اهيب بقومي
تدمير الأودية.. وغياب الرقابة..!!
فائز موسى الحربي

 

هاتفني مواطن غيور من منطقة ضرية، يتقطع ألماً وحسرة لما لاحظه من ظاهرة التدمير واغتيال الطبيعة، وعبر عما يواجهه الناس هناك من مشكلة التعدي على عذرية الأودية، ونقل كميات هائلة ومخيفة من الرمال والحصباء والبطحاء التي أودعها الله بطون الشعاب والأودية، وجعلها جمالاً ومستودعاً طبيعياً لحجز مياه الأمطار وخزنها وفلترتها، والاحتفاظ بها لفترة أطول حتى ينتفع بها النبات وتحيا عليها ذوات الأرواح من المخلوقات البشرية وغير البشرية.. ويصور هذا المواطن كيف تسلط كثير من أصحاب الشياول والقلابات من مواطنين ووافدين على الأودية، ومخروا بطونها، وعاثوا فيها فساداً، وقاموا باستنزاف كميات هائلة من رمالها وبطحائها.. لقد استغل أولئك تربة الأودية أسوأ استغلال من خلال تجميعها وتكديسها على شكل تلال، ومن ثم جلبها على المدن، وبيعها بمبالغ كبيرة ومغرية على أصحاب المباني والإنشاءات الخرسانية في وقت تشهد بلادنا حركة تعمير هائلة، مما ضاعف الطلب عليها، ودفع الانتفاعيين إلى نهبها في وضح النهار، في غفلة من الجهات المسؤولة، أو تغافل منها!.

لا ألوم هذا المواطن الغيور وأمثاله؛ فالإنسان الفوضوي هو عدو الطبيعة الأول، وهو الذي أشفقت الملائكة الكرام على عذرية الأرض منه عندما قالت مخاطبة الحق جل وعلا -خطاب استفهام لا خطاب اعتراض-: ?أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاء?.

كم نشاهد في مجتمعنا من الأشخاص الذين يدمرون بأعمالهم وتصرفاتهم ما حبانا الله به من موارد طبيعية، ويسيئون التعامل مع ما أنعم الله به علينا من مخلوقات فطرية، سخرها الله لنا جمالاً ومتاعاً، وجعلها زينة للحياة الدنيا، وعوامل سلامة للحياة والبيئة على كوكبنا.. وإذا انفلت الإنسان من الرادع الديني أو الرادع البشري أو منهما معاً؛ فإن إفساده يكون أشد، وتدميره أكبر وأضر.. وإن ما يحل بكوكب الأرض في هذا الزمان من تغيرات بيئية واضطرابات مناخية بدأت تخنق الإنسان المعاصر، وتهدد وجوده؛ ليست إلا نتيجة لهذا السلوك الفوضوي!.

لقد فقدت تلك الأودية وتفقد آلاف الأطنان من تربتها سنوياً، حتى أصبحت أرضيتها قاعاً صفصفاً، لا تمسك ماء، ولا تنبت نباتاً، وتغيرت مجاريها ومناسيبها وانحداراتها الطبيعية حتى غدت قنابل موقوتة، وسبباً للكوارث والمفاجآت غير السارة كلما نزلت الأمطار الغزيرة، بعد أن كانت فيما مضى وعاء يتشرب بماء السيول ليحفظ للأرض رطوبتها وقابليتها لنمو الأشجار والنباتات، ويمدها بالمياه الجوفية التي يتسرب جزء منها إلى الآبار، فيغذيها، أو يبقى قريباً من السطح فتتكون منه الثمائل العذبة والرسوس الصافية، وليشكل جزءاً مهماً من المصادر المائية الجوفية.. فبعد ظاهرة الرعي الجائر، والاحتطاب الجائر، والصيد الجائر، وبعد تلويث البيئة البرية والبحرية بمخلفات العصر الصناعية، وما نتج عن ذلك من كوارث بيئية ومشاكل اقتصادية، وإذا بنا نواجه تعرية الأودية من رمالها وثرواتها الطبيعية.

إن أصحاب تلك المعدات الجشعين الذين لا يرقبون في الحفاظ على البيئة إلاً ولا ذمة، ولا يفكرون إلا في المكاسب المادية العاجلة؛ قد دمروا ويدمرون أوديتنا، ويغتالون نضارتها، وأسهموا في إفساد مرابعنا ومراعينا، دون محاسبة أو مساءلة!.

إن المشكلة متفاقمة، والحاجة ملحة إلى التحرك لوقف هذه الظاهرة الخطيرة، فهل تقوم الجهات المسؤولة بواجبها، وهل تجد في تطبيق الأوامر والأنظمة الصادرة بهذا الخصوص؟ أم تنتظر إلى أن يهلك الحرث والنسل؟.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد