يُشكل موسم الحج مناسبة دينية إسلامية خاصة جداً بالنسبة للمسلمين جميعاً في أصقاع العالم أجمع ويمثل بالتالي فريضة دينية خالصة تعكس بطبيعتها وروحانيتها العلاقة الإيجابية التي ينشدها الفرد المسلم تقرباً إلى الله تعالى، وترسخ الخيار الإيماني للبشرية إخلاصاً في العبادة وطهارة النفس بكل هدوء وسكينة واطمئنان تتوق إليه النفوس التي تُيمم وجهها في كل طاعة صوب الديار المقدسة.
ولأن الحج عبادة وتزكية وليست سياسة، فإنه من المؤلم استحضار بعض المواقف والأحداث التي حصلت بإيحاء صريح من السياسة وألاعيبها وحساباتها والتي من شأنها أن تعكر صفو هذه الشعيرة الروحية من أجل تحقيق مكاسب ومصالح سياسية معروفة، أو حتى من قبيل المزايدات الرخيصة المكشوفة للجميع التي لم تعد تخفى على أحد في العالم العربي والإسلامي غايتها وأغراضها البعيدة عن الدين.
ولأن الشيء بالشيء يذكر فلعله من المفيد تحقيقاً للعبر أن نحاول رصد بعض جوانب العلاقات السعودية - الإيرانية، التي تتجلى منعطفاتها من خلال موسم الحج إذ تصر القيادة الإيرانية بين كل حين وآخر أن تجعله مناسبة لإرسال رسائل سياسية مُتلبسة بلبوسٍ ديني، ولكنها تبقى رسائل غير موفقة، كوها تستغل بطريقة انتهازية المغزى الديني الصريح للحج وتحوله إلى مناسبة أو فريضة لإظهار مواقفها السياسية تجاه الخليج العربي والمنطقة العربية بشكل عام، وتمعن في تعكير المعنى الروحي والحالة الإيمانية التي يعيشها المسلمون خلال أداء مناسك الحج، طمعاً في تجارة سياسية معروفة الأهداف والمرامي والتي لا تخدم المسلمين ولا الإسلام في أي قضية تخصها.
لقد دأب الحجاج الإيرانيون ولمرات عديدة على حمل رسائل سياسية بغيضة يبثونها أثناء قيامهم بتأدية فرائض الحج ومناسكه في صورة حوادث شغبٍ عام تبعث على الريبة مثلما تبعث على الفتنة والفرقة، ولو أن تلك الحوادث المتكررة التي شهدتها مواسم الحج، وما رافقتها من تعمّد مبرمج لإثارة الشغب وإحياء النعرات الدينية بين المسلمين قد وقعت لمرة واحدة لتركنا للصدفة العارضة دورها، بيد أن سياسة الإمعان في التوظيف السياسي للحج، وممارسة سياسة الشحن الطائفي قد تكررت في أكثر من عام، ورافقها أعمال شغب وسلوك تخريبي ممنهج ومدبر غايته التمادي في إرسال رسائل سياسية صريحة لتذكر الجميع بالخطاب الإيراني التقليدي إبان قيام الثورة وبعدها.
ويمكن للمراقب المتبصر لسلسلة هذه الأحداث المفتعلة، مفهومة الغايات والأغراض، والتي وصلت على حد محاولة زعزعة الأمن في هذا الوطن الغالي، عبر محاولات تهريب السلاح والمتفجرات إلى الأراضي المقدسة أن يفهم بدون عناء يذكر أن التوظيف السياسي الإيراني للحج قد بات سياسة إيرانية راسخة، لا تقتصر أهدافها على الخارج فحسب، ولكنها أيضا تتضمن وظيفة تعبوية تضليلية على مستوى الداخل الإيراني، غايتها صرف أنظار المعارضة الإيرانية، وتضليل الطيف الواسع من الإيرانيين المتذمرين والمحبطين من سياسة حكوماتهم في طهران وبالتالي فإن هذه الحكومات تحول تصدير أزماتها الداخلية والمتفاقمة إلى الخارج، لكي تخفف من عبء سياساتها الداخلية التي تصادف معارضة شديدة، هذه السياسة التي تقوم اليوم على أساس مبدأ يفضله الساسة الإيرانيون والذي يقول (إذا كنت ترغب في صرف الأنظار عن النار التي تشتعل في بيتك فإن عليك أن تبادر إلى إشعال النار في بيت الجيران).
إن كل ذي بصيرة يعلم الجهد الكبير الذي تقوم به المملكة في توفير كل أسباب النجاح لموسم حج آمن، تتوفر فيه كل أسباب الراحة والطمأنينة وفي أجواء من السكينة لحجاج بيت الله الحرام، فضلا عن الدور المشهود لها في حماية الحجيج، وتأمين راحتهم أثناء إقامتهم وإلى حين عودتهم سالمين إلى ديارهم وأوطانهم لأنها تعلم أن هذه الوظيفة الدينية التي خصها الله بها تفرض عليها التزامات دينية وإنسانية وأخلاقية كبرى تجعلها تضع نصب عينيها مسألة تأمين موسم حج ناجح بامتياز.
لم تكن المملكة العربية السعودية إلا كما عهدها إخوانها وأصدقاؤها، مترفعة عن كل الصغائر التي يريد فاعلوها ثني المملكة عن التزاماتها الراسخة تجاه المسلمين جميعاً، ولذلك فهي اليوم تتبنى سياسة هادئة وحكيمة ومسؤولة في التعامل مع مثل هذه الأحداث، ولا تتوقف عندها، لأنها تعلم أن طالبي شراء الفتنة في الدين، ليسوا أكثر من مزايدين في السياسة، ويسعون إلى فرض أجندة سياسية على المملكة تصرفها عن دورها العربي والإسلامي، وعن التزاماتها الدولية، ويرفعون شعارات مضللة طاهرها كما باطنها فاسد لا يفيد الأمة في شيء، ويضعف عزيمتها وقوتها أمام التحديات والأخطار التي تواجهها في هذا العالم المضطرب بالأحداث القريبة والبعيدة.
kh_alsharari@hotmail.com