في تطور سياسي ملحوظ، لكن أيما تطور سياسي هذا، أعلنت إيران هذه المرة على لسان وزير خارجيتها (منوشهر متقي) رفضها لأي تدخلات إقليمية خصوصاً من دول الجوار في الشأن اليمني الداخلي، بل وحذرت في ذلك التصريح من مغبات التدخل، ودعت الحكومة اليمنية إلى تقبل تدخلها في الشؤون اليمنية الداخلية من خلال مبادرة صلح إيرانية بين الحكومة اليمنية والانفصاليين في الشمال والجنوب. ها هنا تحديداً، على ما يبدو أن إيران بدأت في ممارسة ما تعتقده من حصولها على دور إقليمي واسع النطاق يتخطى حدودها الجغرافية.
التصريح جميل وجيد ومقبول لكن إذا ما التزمت إيران به أولاً وقبل أي دولة عربية أخرى، ليس وحسب لأن اليمن لا يمثل لإيران أي شكل من أشكال الامتداد أو التواصل الجغرافي الإقليمي، وإنما لكون إيران لم تهتم بالوضع اليمني السياسي الداخلي إلا مؤخراً تحديداً بعد عام 2004م عندما وجدت عملاء لها في اليمن قبلوا بتبعيتهم لها وأذعنوا لرغباتها ووعدوا بتحقيق أطماعها في المنطقة.
بالطبع لولا تبعية الحوثيين لإيران وانقلابهم على حكومتهم وتنكرهم لأبناء شعبهم وغدرهم بوطنهم لما تجرأت إيران على إطلاق مثل تلك التصريحات والتهديدات، ولما لوحت بضرورة تدخلها للإصلاح بين الحكومة اليمنية والمتمردين. تحديداً هنا تتضح حقيقة العلاقة الفارسية الحوثية، كما وتظهر بجلاء حقائق التوجهات والأطماع الإيرانية الفارسية في اليمن الهادفة إلى تقسيمه وإنشاء دولة عميلة تابعة لها في شمال اليمن.
مشكلة الحوثيين ومن على شاكلتهم من الأقليات المذهبية أو العرقية في المنطقة، جهلهم المطبق بحقائق التاريخ القديم والحديث، وبعدم قدرتهم على تفهم حقائق العلاقة التاريخية السياسية والعسكرية التي شابت وهيمنت على العلاقات العربية الفارسية منذ عهد دولة المناذرة في الحيرة وعلاقتها بالدولة الفارسية الساسانية في (المدائن)، مروراً بتوتر تلك العلاقات في عهد الفتوحات الإسلامية وتواصلها عبر مؤامرات الفرس في كل من الدولتين الأموية والعباسية.
ألا يعلم هؤلاء أن العلاقة بين العرب والفرس لم تكن بعلاقة إنسانية عادلة أو متكافئة ناهيك عن علاقات ندية، فالفرس كانوا في موقع الأسياد، فيما كان العرب في موقع الأتباع الأمر الذي ساهم في أن يعمل فيهم الفرس ضروب الظلم والقهر والاستعباد. الوضع استمر وتواصل لعقود وقرون حتى عصر الفتوحات الإسلامية التي قلبت موازين العلاقة بين العرب والفرس ليصبح التابع متبوعاً، والمتبوع تابعاً. لكن ليس بمنطق الفرس التسلطي وإنما بمنطق الإسلام الإنساني العادل الرحيم.
مع كل أسف فإن، الحوثيين عندما وافق زعيمهم حسين بدر الدين الحوثي على تبعيته وجماعته لإيران، وأنشأ حوزة إيرانية في بلاده، وتقبل دعم إيران المادي والعسكري، فكأنه استجار من الرمضاء بالنار، فإيران الفارسية لأشد فتكاً ولأعظم بطشاً، ولأكثر ظلماً وعدواناً له ولجماعته من أي جهة أخرى يعتقد الحوثي بأنه كان عليه أن يعاقبها أو يواجهها.
لذلك من الواضح أن الهدف الإيراني الفارسي (أيا كان ومهما تفاوتت التفسيرات وتعددت) من تشجيع، بل لربما، دفع الجماعة الحوثية للاعتداء على الأراضي السعودية كان تحديداً لخدمة المصالح الفارسية السياسية القومية، وليس لخدمة اليمن أو جماعة الحوثيين، فممارسة ضغوط حوثية على المملكة من جنوبها يساعد الضغوط الإيرانية على المملكة من مواقع أخرى خصوصاً في الحج. من هنا عندما دحرت، ومن ثم أرغمت، القوات العسكرية السعودية جماعة الحوثيين على الخروج من أراضيها بقوة السلاح وبمنطق القوة الشرعية الفاعلة بعد أن تخطوا الحدود وانتهكوا الحقوق وتورطوا في مواجهة عسكرية وضعت كمخطط لهم للهروب إلى الأمام، كانت حقاً وصدقاً رسالة لمن وضعها وأرسلها أيضاً تؤكد بأن تحركات الحوثيين ضد المملكة بدورها كالمستجير من الرمضاء بالنار.
العبرة والعظة، لا بل التجربة المريرة التي تعلمتها إيران في تلك المغامرة، التي كلفتها أرواح اليمنيين ولم تكلفها أي خسارة فارسية، تشير إلى أن دول المنطقة ودول العالم كلها أيدت المملكة ودعمتها في تلك المواجهة العسكرية مع الحوثيين، لا بل ومع كل من يقف وراءهم من قوى وتنظيمات إقليمية، فمنطق القانون الدولي واضح هنا في هذه الملحمة التي تعطي فيها الشرعية الدولية المملكة كافة الحق بالدفاع عن أراضيها بكل ما تملك من قوة، وتضرب بيد عسكرية من حديد كل من تسول له نفسه تهديد أمن واستقرار المملكة.
www.almantiq.org
خاص «الجزيرة»