لم يرتكب نائب الرئيس العراقي الدكتور طارق الهاشمي جرماً باعتراضه على قانون الانتخابات الذي يعطي خمسة بالمائة فقط من مقاعد البرلمان للمهجَّرين واللاجئين العراقيين، فالأرقام تشير إلى أن أكثر من أربعة ملايين عراقي خارج العراق، فكيف يخصّص لهؤلاء هذه النسبة من المقاعد وما تبقى للذين بقوا في العراق ومنهم من أدخلوا من إيران ومنحوا الجنسية العراقية بحجة (الترحيل) أو الانتماء للأم.
ونائب الرئيس العراقي قام بواجبه الدستوري منسجماً مع ضميره الوطني، وأيضاً مع مصالح الطائفة التي يمثِّلها في مجلس الرئاسة، فالمعروف أن الدكتور طارق الهاشمي يمثِّل أهل السنَّة وأن أغلب المهجَّرين واللاجئين الهاربين خارج العراق هم من أهل السنَّة الذين أُجبروا على الهجرة بعد تزايد شرور المليشيات الحزبية التي كان ينظِّمها ويديرها وزير الداخلية في حكومة إبراهيم الجعفري باقر صولاغ وتنفذها فرق إجرامية متخصصة من منظمة بدر، سُميت بفرق الموت، وهذا ما دفع أهل السنَّة وخصوصاً في بغداد إلى الهروب واللجوء إلى الخارج. ففي الأردن وحدها قرابة المليون عراقي، وفي سورية مثل هذا العدد، ومئات الآلاف في الخليج ومصر، إضافة إلى الدول الأوروبية، فهل يكفي هؤلاء خمسة بالمئة من مقاعد البرلمان الذي يحتل بعض مقاعده الآن مَن لا علاقة لهم بالعراق سوى أنهم جاؤوا إليه تحت عباءة الاحتلال.
لهذا السبب اعترض الدكتور طارق الهاشمي على القانون، وبعد محاولات حاولت الطائفة التي تعاونت مع الاحتلال الأمريكي فرض القانون وبعدما فشلت اتفقت كتلتا الشيعة والأكراد لفرض تعديل هو بمثابة عقاب لأهل السنَّة وللهاشمي شخصياً، فعلى العكس مما كان متوقعاً فإن (لعبة الديمقراطية) التي لعبها الشيعة والأكراد في مجلس النواب، صاغت قانوناً جديداً يضر كثيراً بأهل السنَّة ويخدم الأكراد، فيما يحافظ على هيمنة الشيعة، إذ يعتمد القانون الجديد احتساب عدد مقاعد كل محافظة بالعودة إلى سجلات وزارة التجارة لعام 2005م التي كان السنَّة عازفين فيها عن العملية السياسية ولا تحوي سجلات وزارة التجارة لذلك العام أسماء الكثير من سكان تلكم المحافظات الذين هربوا خارج العراق وأغلبهم من أهل السنَّة، حيث كانوا يتعرضون للقتل. وكان الوضع الطبيعي أن يُؤخذ بسجلات عام 2009 وخصوصاً بعد المجهود الذي بُذل لإقناع أهل السنَّة بالانضمام للعملية السياسية وعودة البعض منهم. وهذا ما جعل النواب السنَّة في البرلمان والكتل الانتخابية (الوفاق والحوار الوطني والقائمة العراقية) ينسحبون من جلسة التصويت، كما أن هناك دعوات للتظاهر ضد هذا القانون الذي يعتقد أن إقراره من قِبل الشيعة والأكراد محاولة يائسة للحد من المكاسب الكبيرة التي سيحققها أهل السنَّة إذا ما جرت الانتخابات حسب التواجد الحقيقي للناخبين، وإذا ما أُنصف المهجّرون واللاجئون، واتفاق الشيعة والأكراد وهم الذين كانوا يتشاتمون حتى أمس القريب بعد اتهام الأكراد للمالكي بالتسلّط والدكتاتورية، واتهامه هو للأكراد بالابتزاز، يأتي اليوم ليتفقوا على أهل السنَّة وعلى الهاشمي الذي أشار إلى أنه سيرشح نفسه لرئاسة العراق إذا جاء أهل السنَّة في المرتبة الثانية في الانتخابات القادمة.
jaser@al-jazirah.com.sa