كثير من الناس، وللأسف، لا يعون الدروس المتتالية والأزمات المتعاقبة، ولا يستوعبون على وجه الخصوص أزمات مرت بهم وعانوا منها الأمرين: أزمة العراق مع الكويت .
أزمة داخلية أريد منها التنفس على حساب الغير، على حساب جارتها الكويت، جارتها الجنوبية، ثم صار الغزو فالاحتلال، ثم الاندحار والانسحاب، والبقية مسألة تاريخية.
والآن فتنة فئة من اليمنيين، (مسألة داخلية) يراد تصديرها عبر الحدود، في هذه الحالة إلى دولة المملكة العربية السعودية، أعزها الله، إلى دولة عرف عنها عدم التدخل في شؤون الآخرين، بل إنها تحاول رأب الصدع والإصلاح بين المتشاكسين والمتناحرين، بلاد تستقبل الملايين من المعتمرين والحاجين والآمين البيت الحرام والشادين الرحال إلى مسجد المصطفي محمد بن عبدالله، عليه أفضل الصلاة والتسليم.
ما يجري في شمال اليمن مسألة داخلية تحل داخليا ولكن لا تصدر وتصعد لتصبح أزمة دولية ثم عالمية. أقر وزراء الخارجية العرب في اجتماع لهم مؤخرا، ضمن إطار الجامعة العربية، أنه من حق السعودية أن تدافع عن كل شبر من أراضيها وأن توقف جميع أنواع التسلل عبر حدودها مع اليمن، ومع غيرها، أليس ذلكم حقا مشروعا؟ ومن يختلف على ذلك؟ ليس بيننا وبين اليمن قضايا حدودية، لقد رسمت الجدود، ليس بين اليمن والسعودية، بل مع جميع الدول ذات الحدود المشتركة معها، في المناطق الجبلية والبرية والمياه البحرية. المسألة لا علاقة لها بنزاع بشأن الحدود، هل هي مسألة داخل اليمن؟ نعم، إذن، فلتحل ضمن الوحدة السياسية ذاتها، وإن لم تحل يمكن أن تسهم المؤسسات العربية، جامعة الدول العربية، ومؤتمر وزراء الخارجية العرب، والقمة العربية في حلها، أما تصديرها عبر الحدود فلا، ولن يكون ذلك في صالح أحد.
أما من يصطاد في الماء العكر فعليه تحمل النتائج الوخيمة، القريب منها والبعيد، أو ليس بكاف أولئك ما يقومون به من مشكلات وتدخلات هنا وهناك، وفي الوقت ذاته يدعون الثبور وعظائم الأمور ويشيرون بأصابع الاتهام إلى غيرهم، لعبة قديمة عفا عليها الزمن، فليعتبر من أراد العبرة وليعي من يريد الوعي بأن مصير المعتدي معروفا، فليوفروا جهودهم ويحقنوا دمائهم ودماء غيرهم، ولينموا بلادهم. الدولة صاحبة الشأن لا بد لها من معالجة أمورها الداخلية بطرق متعددة، ليس بالعنف، بل بالسياسة والحنكة وبالتنمية الشاملة وبالعدل بين الناس وبنشر العلم والثقافة وتحقيق العدالة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. أما سياسة التخبط والعشوائية فلقد ولي عصرها وأفل نجمها وانقضى أوانها. أيريدون أن ننتظر جحافل الغرب لتدق طبولها وتزمجر طائراتها من أجل حل مشكلات المنطقة، باستخدام العصا الغليظة، كما يقولون؟، أم ماذا؟
حرب اليمن 1962م، وحرب اجتياح الكويت 1990م، هل هي مرة في الجنوب وأخرى في الشمال؟ إن الصراعات الداخلية، مع فشل الأنظمة في تحري أسباب حدوثها أو في عدم الحكمة في التعامل معها، من شأنها أن تتحول تلكم الأزمات إلى إقليمية ومن ثم تتطور وتستفحل لتكون دولية. أما تجار الحروب فعلى أهبة الاستعداد للتدخل، إدعاء، لا استعدادا، لحل الأزمات، بل لتجيير هذه الأزمات لصالحهم: سياسيا واقتصاديا وحضاريا.
المتسللون إلى المملكة من شمال اليمن، القاعدة، وغيرها من التسميات واليافطات، أسماء ما أنزل الله بها من سلطان، الطائفية منها والدينية والحزبية والسياسية وغيرها، يراد بها الباطل، يراد بها الإقصاء ويراد بها الفتنة وتصفية الحسابات. أما أساليب المنتمين إليها: التخريب والهدم والبلبلة وإيقاف عجلة التنمية والتحضر. أما التصدي لها، فعلى مستويين: الوقوف بحزم وقوة لإخماد محاولات بث بذور الفتنة وصد المعتدين وردعهم، ثم تنمية البلاد عرضا وطولا وتقوية الجبهة الداخلية بكافة الوسائل الاقتصادية منها والاجتماعية والثقافية والسياسية. ويتطلب الأمر وضع الإستراتيجيات، ومن ثم إيجاد الوسائل والآليات لوضعها موضع التنفيذ.
المتسللون إلى المملكة من شمال اليمن، مرة أخرى، هنالك المتمردون منهم وقادة التمرد كما أن هنالك المغرر بهم من سكان اليمن في المناطق الشمالية منها، لا بد من عزل هؤلاء المتمردين ومعرفة المناصرين لهم والمؤيدين، سواء من داخل اليمن أم من خارجها. من تلكم الدولة في المنطقة التي تمد الأيادي للحركات التمردية في الشمال والجنوب، في عرض البلاد العربية وطولها؟ المتمردون، أياً كانوا، لهم عقيدة دينية وأخرى سياسية ووسائل دعم وتأييد خارجي، في كل أنحاء العالم، تؤجج الفتنة من الداخل وتناصر من الخارج. أما هؤلاء، من غير المتمردين، ومن بقية القبائل الأخرى في اليمن، فتبذل الجهود لاستمالتهم والتغرير بهم للانضمام إلى صفوف المتمردين، أما مطالبهم فعبارة عن ذرائع لتحقيق أهداف معينة طائفية أو عقدية أو سياسية.
دعونا من ابتسامات السياسيين، ودعوا العسكريين وشأنهم لإيقاف هؤلاء المتمردين الخارجين على الشرعية عند حدهم، المتعاملين مع أعداء الدين والوطن. لابد من حسم الموقف وبأسرع وقت حتى لا تتوسع دائرة العصيان ويغرر بالمزيد من الناس، الذين لا ناقة لهم ولا جمل في هذا الصراع.