Al Jazirah NewsPaper Thursday  26/11/2009 G Issue 13573
الخميس 09 ذو الحجة 1430   العدد  13573
أين الخلل الحقيقي في التعامل مع (الحج)..؟
سهم بن ضاوي الدعجاني

 

(.... إن رابطة العالم الإسلامي درست في مؤتمرات مكة المكرمة التي عقدتها في السنوات الماضية مجموعة من الموضوعات التي تتصل بالدعوة الإسلامية وبحياة المسلمين وسبل نهضتهم،

وبعلاقاتهم مع الأمم الأخرى إلى جانب الموضوعات التي ركزت فيها الرابطة على علاج مشكلات الأمة، ومواجهة التحديات التي تحيط بشعوبها....).

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي

إنه إنجاز سنوي تمارسه هذه المنظمة العالمية تفعيلاً للمنهج السعودي الأصيل في التعامل مع فريضة الحج، وثمرة صادقة لآلية الإدارة السعودية لهذا الموسم الإسلامي العظيم، الذي يجعل منا نحن السعوديين حكومة وشعباً (قبلة) للعالم أجمع، بل إنه وفق مصطلحات الإعلام المعاصر، يضع المملكة بشكل سنوي في بؤرة الحدث، بل يجعل منها ومن كافة مؤسساتها الرسمية والمدنية محط أنظار العالم، ومحوراً رئيساً لمحطاته المسموعة والمرئية، والأكثر من ذلك، أنه في هذه الأيام تقفز (صور الحجيج) في المشاعر المقدسة على امتداد خارطة الحج إلى قمة الهرم في السباق المحموم بين الوكالات الإخبارية العالمية، ورغم هذا الطقس المحرض على استغلال موسم الحج لمصلحة بلادنا وشعبنا إلا أن التعامل الرسمي من قبل حكومتنا الرشيدة مع (الحج) كحدث إسلامي عالمي يأتي مخالفاً تماماً لدعوات كثيرة تمارسها بعض الدول، بل وتحترف تسيس الحج واستغلاله ليصبح بوقاً من أبواق الدعوة لتمجيدها وتحقيق مصالحها الخاصة من خلال هذه العبادة العظيمة، ولكن المملكة بريادتها منهج الاعتدال السعودي لم ولن تستغل (الحج) لتمجيد الذات السعودية أو لصناعة إعلامية تبنى على مصلحة خاصة تخالف مصالح الأمة العظيمة، ولقد تميزت بلادنا بمنهج الاعتدال السعودي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وعلمياً، واستطاعت وفق هذا المنهج تجنب الكثير من الحروب والفتن والحوادث الاقتصادية. و هو بشهادة المنصفين منهج إسلامي وليس مبتدعاً.

وهنا تذكرت مؤتمر مكة المكرمة الأول، باكورة مؤتمرات الحج، الذي دعا إليه ورعاه الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله، مؤسس منهج الاعتدال السعودي، قبل (85) سنة في علاج مشكلات المسلمين وتوحيد كلمتهم ورص صفوفهم من خلال موسم الحج العظيم.

ومن خلال متابعتي وجدت أن الرابطة قد حددت أربعة محاور لمناقشة موضوع (مشكلات الشباب المسلم في عصر العولمة)، يعالج المشاركون من خلالها المشكلات التي تواجه الشباب في عصر العولمة.. المحور الأول (المشكلات الفكرية) ويناقش المشاركون من خلاله مشكلة ضعف الانتماء الديني لدى فئات من الشباب، والاغتراب الثقافي وتقليد الآخر، بالإضافة إلى بحث مشكلة نقص القراءة لدى الأجيال الشابة، والمحور الثاني هو (المشكلات الاجتماعية والنفسية) ويتضمن مناقشة بحوث تتعلق بالزواج، ومشكلات المخدرات والمسكرات، وقضايا التطرف والعنف والتمرد على القيم، ومشكلة التفكك الأسري، والمحور الثالث (المشكلات الاقتصادية) ويناقش المشاركون فيه بحوثاً حول طغيان الاعتبارات المادية والنزعة الاستهلاكية، والهجرة إلى الغرب، والفقر والبطالة، فيما يتناول المحور الرابع موضوع (الحلول والمشكلات)، ويناقش المشاركون من خلاله سبل علاج مشكلات الشباب، مع عرض الحلول لها، وتحصين الأجيال من آفات العصر، وتأهيلهم لمواجهة التحديات التي تواجههم في عصر العولمة. ولاشك أن المحور الرابع هو وصفة العلاج الحقيقي لوضع الشباب، وبنظرة فاحصة في تلك المحاور نجد أنها بعيدة كل البعد عن الفرقعة الإعلامية وبريئة من دعاوى تسيس الحج، بل هي موضوعات تهدف إلى البناء الحقيقي للأمة من خلال التركيز على الشباب وليس هدفها فرقعات إعلامية جوفاء.

وهنا أود أن أهمس في أذن أمير منطقة مكة المكرمة وهو يفتتح هذا المؤتمر الذي سيبحث (مشكلات الشباب المسلم في عصر العولمة)، لأقول له: إن هذا المؤتمر وأمثاله كثير في هذا الموسم العظيم يأتي مصداقاً لما وقعتموه قبل فترة لإنشاء كرسي علمي بجامعة الملك عبدالعزيز متخصص في تأصيل منهج الاعتدال السعودي. كما أنه ترجمة لمحاضرتكم الشهيرة حول (منهج الاعتدال السعودي) في جامعة الملك عبدالعزيز قبل أربعة أشهر تقريباً، والذي تبرعتم في نهايتها بإنشاء ذلك الكرسي.

ومازال المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها ينتظرون أن يتبنى عن هذا المؤتمر الإسلامي رسالة موجهة إلى الجهات المعنية بالشباب مباشرة في أمور محددة من أهمها موضوع الاعتدال والتوازن في التأهيل وفي الفكر والابتعاد عن التطرف والغلو والجهات التي تريد أن يحدث نزاع بين المسلمين أو بين المسلمين وبين غيرهم، كما أننا ننتظر من هذا المؤتمر لفت نظر المؤسسات المعنية بالشباب إلى القضايا الأساسية فيما يتعلق بالثقافة والبطالة، حيث إن الفراغ يؤدي إلى مشكلات يصعب حلها من مخدرات وعنف وتطرف وإرهاب، إن هذا المؤتمر دعوة لإشاعة ثقافة الاهتمام بقضايا الشباب ومعالجتها على كافة الأصعدة المحلية والعالمية ليرسم عقلاء الأمة خارطة الطريق إلى بناء شباب فاعل ومنجز. وأخيراً إن هذا المؤتمر السنوي وغيره من المؤتمرات واللقاءات الفكرية التي تأتي تحت مظلة (الحج) في هذه الأيام المباركة، إنه شاهد حي على إنجاز متجدد لمنهج الاعتدال السعودي في تعامله مع (الحج) بصفته شعيرة إسلامية، بعيداً عن دعوات التسيس المغرضة والداعية إلى (فرقة) المسلمين وتجديد الخلاف بينهم باسم الحج.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد