Al Jazirah NewsPaper Thursday  26/11/2009 G Issue 13573
الخميس 09 ذو الحجة 1430   العدد  13573
الحبر الأخضر
أسس التنمية في خطبة حجة الوادع (الأمانة نموذجاً)
د. عثمان العامر

 

في مثل هذا اليوم وقف رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً على صعيد عرفة الطاهر، وخطب خطبة جامعة عصماء عرفت بخطبة حجة الوداع، وكان مما قاله عليه السلام في ثنايا خطبته هذه (... فمن كان عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها...)، وهذه القاعدة الموجزة الهامة هي في نظري ركيزة أساس من ركائز التنمية الحقيقة المستدامة في أي زمان وعلى أي أرض، وللقارئ الكريم أن يتصور أن كلاً منا أدى ما علق بذمته من أمانة على وجهها الصحيح، ترى كيف سيكون الإنجاز، وكيف ستصبح بلادنا ومن خلفها أمتنا الإسلامية جمعاء؟.. البعض من الناس البسطاء يعتقدون أن الأمانة هنا فقط الودائع المالية التي يتركها الرجل عند الغير حين يريد سفراً أو يخاف سرقة لعدم وجود حرز خاص به أو ما إلى ذلك، وأداؤها إعطاؤها صاحبها حين يطلبها كاملة غير منقوصة!!، والبعض الآخر يعتقد أن الواجبات الوظيفية لا تدخل في هذا الباب (الأمانة) التي جاء التأكيد عليها في هذا المقام!!، والثالث يحسب أن المال العام ليس له حرمة والتفريط فيه ليس إخلالاً بالأمانة!!، والرابع يظن أن الاستجابة لتوجيهات رئيسه المباشر في العمل وطاعته فيما يقول إذا كان ذلك في دائرة المسؤولية الوظيفة ومتطلبات الإنجاز المتقن وضعف في شخصيته وإقلال من شأنه، بل ربما قلنا عن من التزم بالنظام وواظب وحافظ على القيام بواجباته الوظيفية بإتقان ونفذ أوامر مديره أنه يمارس التزلف المكشوف والمجاملة التي ليست في مكانها مع مديره الذي لا يستحق كل هذا!!، والغريب أن هذا الموضوع -عند الكثير منا- ليس له علاقة بأداء الأمانة التي حثنا عليها ديننا الحنيف لا من قريب ولا من بعيد.. تصورات عدة تضع محددات لما صيغته العموم، ولذا نحن عالم ثالث!!، إن الأمانة ذات مدلول شامل وعام تتعلق بما يكون بين العبد وربه، وبين العبد ونفسه، وأهله، ووطنه، وولاة أمره، والقائمة تطول، ولذا فإن دوائر العلاقات التي تختلف عند كل واحد منا سعة وضيقاً تحمل في ذاتها حمولات واسعة لهذا المصطلح الهام (الأمانة) الذي أكد عليه القرآن الكريم وطبقه واقعاً حياً وبين مدلولاته في مواضع كثيرة وبأساليب مختلفة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعل من أهم هذه المواضع خطبة حجة الوداع الشهيرة، بصدق لدينا خلل في فهم المراد من المصطلح أو أننا نضيق الدائرة حتى ينسجم المفهوم الدلالي لدينا مع ما نعيش نحن واقعاً في حياتنا اليومية، وهذا وللأسف الشديد خلاف ما عليه الحال في الغرب، أقول وللأسف الشديد فالغربي غالباً المهام الوظيفية عنده أمانة وما في العقد الذي يبرمه من مسئوليات صغيرة كانت أم كبيرة أمانة، ومتطلبات المهنة أمانة، والوقت أمانة، إشكالية أخرى لها ارتباط مباشر بهذا الموضوع وأثرها السلبي فاعل ومؤثر في حياتنا الخاصة والعامة ألا وهي الأمانة في القول، فالكلمة أمانة، ربما تكون لديك معلومة أو يذكر عندك أحد بسوء وأنت تعرف عنه خلاف ذلك أو أن ما ذكر لم يكن صحيحاً أو له سبب ربما لم يصل لمن يتحدث عنه بهذه الصورة السوداوية المقيتة أو يكتب فيه ما ليس فيه أو ما شبه ذلك، ربما يكون ذلك أو شبيه به سواء في المنتديات أو الجلسات أو اللقاءات أو عبر وسائل الإعلام، والأمانة وأدائها على وجهها الحق تفترض أن تصحح وتبين وتدافع وتنافح حسب ما تعرف وبناء على ما تعلم، بالفعل الأمانة ذات مسؤوليات ضخمة، ولذا كما قال الله عزَّ وجلَّ في سورة الأحزاب: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}.. عوداً على بدء ترى لو قام كل منا بما في عنقه من أمانة ماذا سيكون حالنا اليوم؟.. للجميع كل عام وأنتم والأمانة بخير وعيدكم مبارك، وأيامكم أنس وسعادة.. وإلى لقاء والسلام.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد