Al Jazirah NewsPaper Sunday  22/11/2009 G Issue 13569
الأحد 05 ذو الحجة 1430   العدد  13569
شيء من
بزنس الرقية الشرعية!
محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

 

تلقيت رسالة جوال من أحد الأصدقاء، يحضني فيها ساخراً على الاشتراك في جوال الرقية. وهذه الخدمة (الجوالية) لا تختلف عن خدمات مصاصي الجيوب، ممن يلتقطون بعض المفاهيم الدينية، كالفتوى أو الرقية الشرعية مثلاً، ويحولونها إلى (بزنس)، فتتضخم حساباتهم بالمال (الحلال) طبعاً، أما الذي يستعمل خدمة (الرقية) هذه فينال - كما يؤكدون - (دواء) شافياً - بإذن الله - من كل داء، إضافة إلى الأجر والثواب من عنده تعالى؛ وإن اعترضت على استغلال الدين كوسيلة للثراء، فأنت - والعياذ بالله - إما ماسوني أو علماني أو تغريبي، أو كل هذه الصفات مجتمعة.. نسأل الله العافية.

الرسالة تقول: (حصن نفسك بالقرآن والذكر وقوِّ ثقتك بالله مع جوال الرقية الشرعية. أرسل رقم الرقية المطلوبة للرقم (كذا): 1- الرقية الشرعية. 2- رقية التأليف بين الزوجين. 3- رقية التثبيت. 4- رقية الرزق الآجل. 5- رقية الزواج. 6- رقية السحر. 7- رقية السكينة والطمأنينة. 8- رقية العقم والإسقاط. 9- رقية العين والحسد. 10- رقية المس والتلبيس. 11- رقية النزيف والاستحاضة. 12- رقية الأطفال.. سعر ملف الرقية 5 ريال . يجب توافر خدمة WAP وGPRS على جوالك).

ولا شك أن القارئ الكريم سيدعو للشيخ الراقي الذي تكرم على عباد الله الصالحين، وخفض فتح (ملف) الخدمة لديه عن سعر الملفات في المستشفيات أو العيادات الطبية، باهظة الثمن؛ ففي حين يُطلب منك لفتح (ملف) مماثل لدى مستشفى أو عيادة طبية ما لا يقل عن مائة ريال، فإن الشيخ (المحتسب) لا يطلب سوى مبلغ زهيد لا يتجاوز خمسة ريالات فقط، وهذا - بلا شك - يؤكد أن الشيخ صاحب هذه الخدمة رجل قنوع، لا يعرف الطمع - ناهيك عن الجشع - إلى نفسه سبيلاً؛ فضلاً عن أنه قدّرَ أن جزءاً ممن يحتاجون إلى مثل هذه الأنواع من الرقى قد يكونون من (ذوي الدخل المحدود)؛ فجاء عرضه متناسباً مع أوضاع بعض المحتاجين الصعبة مالياً، وهذه - بلا شك - لفتة كريمة، نسأل الله أن ينال بسببها الأجر والثواب!

وبعيداً عن السخرية؛ فإنني أرى مثل هذه الممارسات الاستغلالية، التي توظف المفاهيم الدينية (كحيلة) لاستغلال الناس، لا تختلف كثيراً عن (جوال الفتوى)، الذي حول الفتوى إلى شأن استثماري، تباع لتدرَّ على المفتي من المستفتي الربح الوفير، حتى أن أحد (المشايخ) الأجانب المقيمين في المملكة فتح شركة استثمار رأس مال أجنبي تقوم ببيع (الفتوى) والمواعظ على المحتاجين لقاء اشتراك جوالي يتم من خلاله (شفط) الجيوب. واللافت أن مثل هذه التصرفات البشعة تقف منها الهيئات الدينية، وعلى رأسها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، موقفاً سلبياً، رغم أنها تقع في صلب عملها؛ فهي (منكر) لا يختلف أبداً في المحصلة عن (منكر) أولئك الدجالين ممن يستخدمون الشعوذة في استغلال البسطاء والسذج.

وأنا هنا لا أعترض على الرقية الشرعية؛ فهي - بلا شك - وسيلة تعبدية، تؤدي إلى الطمأنينة التي يحتاج إليها المسلم في حياته لتكريس استقراره النفسي، ولكن أن تتحول هذه الرقية إلى لعب على الناس، وتجارة، واستغلال رخيص، فهذا ما لا يمكن قبوله؛ فالدين القيم يرفضه قبل أن يرفضه الحس الواعي السوي.

ولعل من المفارقات الجديرة بالإشارة هنا أن أولئك الذين رفعوا (عقائرهم) منكرين على جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية، لم ينبسوا ببنت شفة تجاه مثل هذه الحيل غير المشروعة. لماذا سكتوا عن هذه الممارسات الاستغلالية، بينما ارتفعت أصواتهم (منكرين) على هذه الجامعة (العلمية) والحضارية؟ السبب أن هذه وتلك على طرفي نقيض؛ فالبيئة التي تنمو فيها مثل هذه (الطحالب) علاجها سيكون حتماً في إقامة مثل هذه الصروح العلمية المتحضرة ونشرها؛ وهنا مربط الفرس. إلى اللقاء.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد