في الولايات المتحدة، يعيش ما يقرب من سبعين مليون كلب في بيوت البشر.
أي أن عدد هذه الكلاب يفوق عدد الأطفال دون سن الخامسة عشرة بنحو عشرة ملايين.
ويتكرر النمط نفسه في بلدان غربية أخرى.
ونحو 40% من كلاب المنازل يُسمح لها بالنوم على الأسِرة نفسها التي ينام عليها أصحابها.
ولكن كيف تمكنت الكلاب من الفوز بهذه المكانة الحميمة في حياتنا؟ تزعم إحدى النظريات أن الكلاب أصبحت معتادة على أساليب التفكير البشرية بعد أن عاشت آلاف السنين مع البشر.
ولا شك أن الكلاب تتمتع بحساسية غير عادية تجاه السلوك البشري.
فالكلاب قادرة على تتبع إشارات البشر في توجيهها إلى الطعام المخبأ، والكلاب تستطيع أيضاً أن تستخدم إيماءات معينة في توجيه الإنسان إلى لعبة مخبأة على سبيل المثال.
وفي ظل بعض الظروف تفهم الكلاب أن الشخص الذي لا يستطيع أن يراها (إن كان معصوب العينين على سبيل المثال) من غير المرجح أن يستجيب لتوسلاتها طلباً لقطعة من الطعام الذي تحبه مقارنة بشخص آخر غير محجوب الرؤية.
والكلاب أيضاً أكثر ميلاً إلى إطاعة الأوامر الصادرة لها بترك شيء مرغوب إذا كان سيدها داخل الغرفة مقارنة بحالها إذا ترك سيدها الغرفة.
ومع ذلك فإن المحاولات الرامية إلى تصوير ذكاء الكلاب وكأنه قطعة من النسيج نفسه الذي صُنِع منه ذكاء البشر تتجاهل العديد من التفاصيل حول كيفية عمل المخ البشري ومخ الكلب.
إن التطور لا يبني الشكل نفسه من أشكال الذكاء مرتين أبداً على الرغم من أن المشكلات المتماثلة قد تؤدي إلى حلول متماثلة. وكما يعلم أغلب أصحاب الجِراء الصغيرة، فإن تعليم الكلب أساليب البشر يستغرق الوقت ويتطلب قدراً كبيراً من الرعاية.
فنحن لا ننفش شعر أعناقنا حين نغضب، ولا نتشمم مؤخرات بعضنا بعضاً حين نسعى إلى تكوين صداقات جديدة.
والكلاب لا تشير بسيقانها الأمامية أو تستخدم لغة نحوية دقيقة حين تحاول توضيح أمرٍ ما.
لقد توصلنا من خلال أبحاثنا إلى أن البشر يظلون غامضين محيرين بالنسبة للكلاب أثناء الأشهر الخمسة الأول من حياتها، والكلاب التي تعيش داخل محبسنا المحلي متأخرة كثيراً عن الكلاب المنزلية حين يتعلق الأمر بفهم البشر. ويؤكد بحث حديث أجرته ألكسندرا هورويتز من كلية بارنارد في نيويورك على (الأحاديث العرضية) التي تدور أحياناً بين البشر والكلاب.
فقد طلبت هورويتز من بعض أصحاب الكلاب أن يحظروا على كلابهم أكل بسكويت موضوع بالغرفة، ثم يتركوا المكان لبرهة وجيزة.
وحين عاد أصحاب الكلاب بعد بضع دقائق، قيل لبعضهم إن كلابهم كانت غير مطيعة وإنها أكلت من الطعام الممنوع، وقيل لبعضهم الآخر إن كلابهم كانت مطيعة وإنها امتنعت عن أكل البسكويت. ثُم سُمِح لأصحاب الكلاب غير المطيعة بلحظة لتقريعها وتوبيخها لسوء تصرفها، ثُم سُئلوا ما إذا كان الشعور بالذنب قد ظهر على كلابهم.
المثير في هذا الأمر أن نصف أصحاب الكلاب فقط أخبِروا عن التصرف الحقيقي لكلابهم، أما نصفهم الآخر فقد أخبروا بعكس ما فعلته كلابهم حقاً. ففي نصف الحالات قالت هورويتز لصاحب الكلب الذي ترك البسكويت بالفعل إن كلبه أخذ البسكويت.
وفي نصف الحالات الآخر قالت لصاحب الكلب الذي أخذ البسكويت إنه كان كلباً مطيعاً.
وكان المقصود من هذا الخداع هو أن تعرف هورويتز، حين تسأل كل صاحب كلب إذا كان كلبه قد بدا مذنباً، ما إذا كان تقرير صاحب الكلب عن (علامات الشعور بالذنب) مطابقاً لحقيقة ما حدث بالفعل، أو ما إذا كان تقريره لا يعكس شيئاً أكثر من أنه وبخ كلبه أو لم يوبخه.
ولقد أظهرت النتائج بوضوح تام أن (علامات الشعور بالذنب) لم تظهر على أي كلب إلا لأن صاحبه وبخه: وهذا يعني أن مظهر الكلب لم يكن مرتبطاً بأي حال بما إذا كان الكلب قد ارتكب جرماً بالفعل أو لم يرتكب.
هذا لا يعني أننا لا ينبغي لنا أن نعاقب كلابنا (أو نثني عليها ونقرظها).
ولا يعني أننا لا ينبغي لنا أن نحب كلابنا أو نحبط بسبب تصرفاتها في بعض الأحيان.
بل إن المغزى من كل هذا هو أننا إذا أردنا أن نعيش في وئام وانسجام مع أنواع أخرى داخل بيوتنا فلابد أن ندرك أن أساليبنا المفضلة في التفكير وتفسير الأمور قد لا تتفق في بعض الأحيان مع أساليب الأنواع الأخرى. ويتعين علينا أن نحاول فهم الكلاب من خلال منظورها هي للأمور، وأن نساعدها في فهمنا.
أستاذ مساعد لعلم النفس بجامعة فلوريدا
خاص «الجزيرة»