عندما بدأت أوراقي الخريفية تتساقط واحدة بعد الأخرى بعد التقاعد جلست وحيداً على صخرة الأحزان مفكراً فتولدت تلك الثلاثية الحزينة من خواطر مشبعة لتكون عبرة للجميع وأنا منهم. كل الأشياء صامتة. كل الأشجار ميتة.
|
وذلك في عالم الموتى لا أثر للحياة هناك سوى حفيف أوراق يابسة تتطاير في الهواء معلنة رفضها البقاء في المقبرة. وبعض أصوات للحشرات والديدان والتي في ما أظن أنها قد انتهت أخيراً من أكل وجبة عشاء دسمة ربما من جثة أحد الأموات فخرجت خارج القبر للنزهة في نظرها.
|
وسط هذه الأشياء وبين القبور لم أعد أتذكر سوى الموت ذلك الشبح الرهيب الذي لا مهرب منه وإن طال الزمن، مشاهد عديدة مرت أمامي عندما دخلت المقبرة لتشييع جنازة صديق لي انتقل إلى رحمة الله - إن شاء الله - بسبب حادث مروري لا جديد هنا في المقبرة أشجار تموت واقفة رويداً رويداً وغبار يسد أنوف المشيعين.
|
وأصوات طيور عديدة لكنها حزينة كقيثارة متقطعة الأوتار وتراب تثيره أقدام إطاره هنا وهناك وغبار أشد يطير من تحت إطارات السيارات لكي يملأ الجو ولكي يذكر الإنسان بأصله وليقول له بالحرف الواحد (إنك ميت وإنهم ميتون) وأن كل من عليها فان وأن الأسباب متعددة ولكن الموت واحد.
|
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره |
تعددت الأسباب والموت واحد |
في الطريق إلى دفن الميت كان الجميع في وجوم شديد والكل مذهول ويردد الدعوات بأن يرحم الله الميت وأن يلهم أهله الصبر والسلوان، دعوات طيبة متكررة تذهب عنك كل تمسك بالدنيا الفانية وبالرغم من هذا الموقف المحزن كان هناك بعضاً من السذج انتحوا جانباً يتحدثون في أسعار العقار والأراضي وأسعارها، وساذج آخر لم ينزل من سيارته كان يستمع من مسجل سيارته لفريد الأطرش، بينما تمر سيارة أخرى مسرعة وإذا بأصوات تنبعث من داخلها تحث السائق بأن يسرع لكي يأخذوا القبر المحفور قبلنا وهنا عدت إلى نفسي ضاحكاً بالرغم من عظم الموقف ووجدتني أردد بيتاً آخر من الشعر لكعب بن زهير:
|
كل ابن أنثى وإن طالت سلامته |
يوماً على آلة حدباء محمول |
وتذكرت قول الحسن البصري لرجل حضر دفن جنازة أتراه لو رجع إلى الدنيا لعمل صالحاً فقال الرجل نعم فقال له الحسن البصري فإن لم يكن هو فكن أنت، وتذكرت أن رجلاً سمع بكاء على ميت فقال عجباً من قوم مسافرين يبكون على مسافر قد بلغ منزله.
|
وانصرفت مندهشاً أخاطب نفسي عجباً حتى على القبور يتسابق هؤلاء الناس الأحياء.
|
الرياض - أشيقر |
|