في واحد من أطول وأجمل الحوارات الصحفية، التي قدمتها جريدة (الوطن) على مستوى الشأن المحلي، كان الحوار الذي أجراه الزميل الأستاذ جمال خاشقجي رئيس التحرير، ومساعده الأستاذ عمر المضواحي، والصحفي الأستاذ وائل أبو منصور، وشارك فيه لأول مرة عبر البريد الإلكتروني....
... لصحيفة (الوطن) عدد من المواطنين والمقيمين في منطقة مكة المكرمة، ونُشر على ثلاث حلقات متلاحقة أيام السبت والأحد والاثنين من الأسبوع الماضي.
كان نجم الحوار هو صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، الذي تحدَّث في ذلك الحوار حديثاً موضوعياً مسهباً شاملاً، لم يترك فيه صغيراً ولا كبيراً من الأسئلة التي قُدِّمت إليه أو التي حوصر ببعضها.. إلا وأجاب عنها بشجاعة المسؤول، وبراعة المثقف، وشفافية الفنان.. فهو كل ذلك معاً.
***
لقد أدهشني طول الحوار.. بداية، إذ إنني ومنذ أن شرفت بمعرفة الأمير خالد مؤسساً ورئيساً لرعاية الشباب في أيامه الأولى، إلى أن أصبح أميراً لمنطقة عسير، وإلى أن غدا أميراً لمنطقة مكة المكرمة، كان يترسخ لديَّ يقيناً عزوفه عن الكلام ل(الكلام)، ونفوره من المدائح التي يتفضل أو يسرف فيها البعض: مجاملة وتقديراً.. أو حتى تعبيراً عن مشاعرهم الحقيقية؛ فقد كان يتمنى لو أن الصحفيين والكُتّاب والمثقفين عموماً ممن يعرفهم - وهو يعرف أكثريتهم إن لم يكن جميعهم - قَصَروا كتاباتهم وأحاديثهم عن (الأعمال) لا عن الأشخاص، وعن (الإنجازات) لا عن أسماء أصحابها بصفة عامة، وفيما يخصه شخصياً بصفة خاصة. حتى بعد نجاحه غير السهل في إمارة عسير، ووضعه عاصمتها الإدارية (أبها) على عتبات العصر بداية، إلى أن أصبحت أبرز مدن الاصطياف محلياً وخليجياً، وإلى أن تركها وفيها (المجلة) و(المسرح) و(الصحيفة) و(المطبعة) و(الجامعة) و(القرية) التشكيلية.. بل والفنادق والمراكز والحدائق والمنتجعات السياحية.. كان يحرص على الابتعاد عن اللقاءات والحوارات الصحفية التي تمجده أو تلمعه بلغة الصحافة رغم إنجازاته التي كانت ماثلة أمام أعين الناس جميعاً.
وأذكر أننا في مجلة (الإعلام والاتصال)، عند صدورها قبل عشر سنوات، حرصنا على استضافته كواحد من أبرز المسؤولين الناجحين، الذين استطاعوا أن يقدموا على أرض الواقع إنجازاً ومفهوماً جديداً جامعاً ل(السياحة)، لا يتخلى عن العصر ومتطلباته، ولا يقاطع قيم المجتمع ومحافظته.. إلا أننا كنا أقرب في محاولاتنا تلك إلى الفشل منا إلى النجاح، لولا (الدالة) التي كان يتمتع بها الصديق عبدالله سلمان رئيس تحرير المجلة الآن - مدير تحريرها آنذاك - عند الأمير خالد، ربما لأنه ابن من أبناء عسير؛ فهي التي مكَّنت (المجلة) من لقائه بعد تسعة أشهر من صدورها وليس قبل ذلك، ثم لم أرَ للأمير لقاءً في أي صحيفة أو مجلة محلية بعد ذلك - إن لم تخني الذاكرة -.. إلى أن كان مؤخراً هذا (الحوار) الذي أجرته (الوطن) معه وقَبِل به، لا لأن (الوطن) هي ابنته الروحية، وحلمه الذي كان ينام ويصحو عليه عندما كان في (أبها).. ولكن لأن وقت الكلام في تقديري قد جاء بعد مرور عامين ونصف العام على إمارته لمنطقة مكة المكرمة، وبعد أن أخذت أفكار (مشاريع) المنطقة تتلاحق، ويأخذ بعضها برقاب بعض، ويكثر الكلام، وتكثر والتعليقات والاستفسارات حولها.
***
على أن دهشتي من (طول الحوار) لم تصرفني عن قراءة حلقاته الثلاث حتى النهاية، مستمتعاً ب(لغته) الأدبية الراقية غير المستغربة من (نجمه): المثقف والأديب والفنان.. الذي عرفه أبناء المملكة جميعاً وهو يرسم ب(الكلمات) شعراً ردده وحفظه الناس، ويرسم ب(الألوان) لوحات تشكيلية أمتعت كل من شاهدوها، وسعيداً في ذات اللحظة بحجم الخطط والبرامج التي يفكِّر فيها، ويحلم بها، ويسعى إلى تنفيذها في منطقة مكة المكرمة بمحافظاتها ومدنها وقراها، والتي فصلها في حواره ك(مسؤول) يملك من التجربة والخبرة؛ ما يمكنه بهما من التغلب على المصاعب والمعوقات.. وصولاً إلى تحقيقها، وبلوغ رؤيته الحالمة في التوجُّه (نحو العالم الأول).. الذي وضعه شعاراً ل(خطته العشرية) التي تم الإعلان عنها العام الماضي، وشرع سموه - كما جاء في مقدمة الحوار - (في متابعة كل تفاصيلها بدأب وحنكة تراعي قيمة الإنسان أولاً، والمحافظة على شخصية المكان ثانياً، وتحقيق الأهداف السامية للشعار ثالثاً).
ولقد ضاعف من سعادتي مهنية المحاورين الأعزاء عندما توجهوا في حلقة حوارهم الأولى نحو (أهم الملفات الساخنة) التي تشمل (اقتصاديات الحج والعمرة في مكة المكرمة، والعشوائيات، والمقيمين بصفة غير نظامية، وملف الإدارة والتنمية، وأخيراً الملف الثقافي والاجتماعي في المنطقة).. بادئين بحوار الأمير عن أكثرها سخونة.. وأعني بها (مشاريع تطوير الأحياء العشوائية في منطقة مكة المكرمة)، ليتحدث سموه إجمالاً عن (رؤيته للحلول المطروحة.. بأنها الحل الأمثل لهذه المشكلة)، و(أنها مشاريع تطوير غير مسبوقة في العالم)!!، وليتوقف بعد ذلك مطولاً ومفصلاً عند (تطوير عشوائية حي الرويس في جدة)!؛ نظراً إلى (تخوُّف بعض الأهالي من مشاريع تطوير العشوائيات في مدن ومحافظات منطقة مكة المكرمة)، وتساؤلاتهم (حول آلية التعويض عن أراضيهم ومساكنهم المشمولة في مخطط التطوير، وأنهم جميعاً يتمنون أن يشرف سموه بصفة شخصية على هذا الملف)؛ ليشرح سموه كيف بدأت مشكلة العشوائيات؟ وكيف أن (معالجتها دائماً ما تثير تساؤلات وتخوفات، وفي كثير من الأحيان تراجعات)، وأنها تبعاً لذلك - كما قال سموه -: (تتنامى وتتوسع، حتى أنها أصبحت في بعض المدن غير قابلة للحل، أو مستحيلة، وهذا ما لا نريد أن نصل إليه هنا).
***
ومع التفاصيل الكثيرة التي أوردها سموه حول موضوع العشوائيات في جدة.. إلا أنه انتهى إلى القول - مطمئناً الجميع - بأن (مشروع قصر خزام هو المشروع الذي تم الانتهاء من تصاميمه)، وهو مشروع - لمن لم يعد يتذكره - لتطوير منطقة قصر خزام وما حولها من عشوائيات في شرقها وجنوبها، وصولاً إلى شمالها، بإزالة أجزاء من (حي السبيل)، (وهو حي عشوائي لا يختلف في أمره اثنان)، وانتهاءً إلى بوابة (باب مكة)؛ لينشأ في موقعه شارع مشاة حضاري راق من (بوابة) مكة شمالاً، إلى (بوابة) قصر خزام جنوباً، المطلة على شارع الملك خالد (المعروف بشارع التلفزيون). وقد رحَّب به كل أبناء جدة وسكانها والمقيمين فيها عند إعلانه.. وهم ينتظرون بصبر فارغ ساعة الانتهاء منه؛ لأنه يشكِّل - وبحق - خطوة على طريق الرقي المنشود لبعض أجزاء مدينة جدة المتواضعة عمرانياً وتخطيطياً، (أما مشروع الرويس فما زال مجرد أفكار تدرس، لكنها لم تُقرر أو تُعتمد بعد) - كما قال سموه -، وهو ما أعاد فتح الباب أمامي واسعاً لهذه (المداخلة) - أو كتابة هذا المقال؛ لأقدم إعجابي ب(الحوار) وروعته إجمالاً، وحكمته وحنكته في هذه الجزئية منه، ولأقول بعدها (كلمتين) - بعد أن أغلق الباب أمامي في جلستين متتاليتين بأحد صوالين جدة الثقافية الحاشدة قبل رمضان وبعده على التوالي - لكل من أخي الدكتور وليد عبدالعال المدير العام ل(شركة الرويس العالمية للتطوير العقاري المحدودة) - ولا أدري من أين جاءت هذه (العالمية)!! لشركة لا تزال قيد التأسيس - وأخي معالي أمين مدينة جدة المهندس عادل فقيه الذي أسس (شركة جدة للتنمية والتطوير العمراني) المملوكة ل(الأمانة)، وهو أمر يدعو أمثالي إلى التساؤل البريء عن كيف أمكن تأسيس شركة من قلب مصلحة حكومية هي (الأمانة) وترؤس مجلس إدارتها؟! وعهدي بأن ذلك كان في حكم المستحيل، بل كان ممنوعاً على الوزراء ومَنْ في حكمهم.. تأسيس شركات بأسمائهم (علناً)؛ ولذلك كان يتم التحايل على الأمر إما بوضع أسماء الأبناء أو أسماء الزوجات بدلاً من (أسمائهم)؛ حيث علمت منهما بأن أمر قيام هذه الشركات قد انتهى، وأن (العالمية) لتطوير حي الرويس (العشوائي)!! قد بدأت أعمالها ودراساتها وإحصاءاتها البيانية.. بل انتهت من تحديد مواقع التطوير.. وأنه - باختصار - لا مجال لطرح أي فكرة أو أي رأي؛ لأن هذه الشركات موثقة ومعتمدة رسمياً، وأنه ليس لهاتين الجلستين من هدف غير (إشهار) هذه الشركات أو الإعلام عنها بين أوساط المثقفين والإعلاميين، وربما الترويج - عن طريقهم - لإنجاح مهماتها التطويرية!!
***
وللحقيقة، فقد أصابني شيء كالدوار في الجلسة الأولى، التي كان المتحدث الرئيسي فيها الدكتور وليد عبدالعال، عندما كان يتحدث عن (حي الرويس) باعتباره حياً عشوائياً!! يتصدر اهتمامات (الأمانة)، بل يقع في المرتبة الثانية من حرصها على سرعة تطويره، بعد انتهائها من تطوير (حي السبيل) المتفق على عشوائيته.. من خلال إلحاقه بمشروع تطوير العشوائيات التي حول قصر خزام، وأنه قد رسا مشروع تطويره على شركته (العالمية) (التي علمت فيما بعد أنها تمثل تحالفاً: بين شركة جدة للتنمية والتطوير العقاري التابعة ل(الأمانة)، وشركته التي كان اسمها شركة تحالف الرويس للتطوير العمراني)، إلى آخر ما ذكره في تلك الليلة وتناقلته بعض صحف (المنطقة الغربية) في الأيام التالية، بينما كان الأمر - لا يزال عندي وعند أبناء جدة وسكانها في عمومهم، وعندما يأتي الحديث عن ذكر أحياء جدة العشوائية التي تستوجب معالجتها ودرء الأخطار منها - ينصبّ على أحياء مثل: غليل، والقريات، والثعالبة، والكرنتينة، وربما النزلة الجنوبية وحي (كيلو ستة)، وربما حي (قويزة) الذي إذا دخلته لا تعرف كيف تخرج منه، ولكنه لم ينصبّ يوماً على (حي الرويس) الذي لا أدري على أي أساس تم تصنيفه بين أحياء جدة العشوائية..؟
فكيف ل(حي) يحده جنوباً طريق الملك عبدالله، وشمالاً شارع فلسطين، وشرقاً طريق المدينة، وغرباً شارع حائل أو حتى الأندلس، ويقع في القلب الشمالي الغربي من مدينة جدة عندما كان امتدادها الشمالي ينتهي بشارع فلسطين الغربي قبل أن يمتد شرقاً وينتهي عند (طريق الحرمين).. أن نصفه ب(العشوائي) وقد سكنه وتملك فيه عِلْية القوم وخيار الناس، منهم معالي أمين مدينة جدة نفسه قبل تولي أمانتها؟
نعم.. هناك منطقة في (وسطه) نشأت وتنامت بتراخي وإهمال الرئاسات السابقة والأمناء السابقين، وهي التي يقع معظمها جنوب (شارع السيد)، وقد كان - ولا يزال - في إمكان (الأمانة) فتح شارعين كبيرين متعامدين فيها - يوصلان شارع فلسطين.. بطريق الملك، وشارع حائل.. بطريق المدينة - ينهيان التكدس ويزيلان أسباب القلق الأمني منها، أو أن تدعو أي شركة من تلك الشركات للقيام به..!!
***
بعد يومين من نشر ما ذُكر في تلك الليلة عن عشوائية (حي الرويس) ومشاريع تطويره.. استنجد بي ثلاثة من ملاَّكه وسكانه، وكانت مفاجأتي عندما أطلعوني على (خريطتين) لمواقع التطوير التي تستهدفها شركة الرويس العالمية، إحداهما (واقعية) - إلى حد ما - في مساحتها ومحتوياتها من المباني المخطط لإزالتها، وهي التي تشمل - كما علمت منهم - مخططات 4، 5، 6، وجزءا من مخطط 7، والأخرى (خيالية) مفرطة.. تفوح منها رائحة (الاستثمار) العقاري بشرهه المعروف، بأكثر مما تنطلق منها نسائم الرقي والتحديث والحفاظ على (سلامة) الحي وخدماته وأمنه عبر أحشائه.
إن من حق (الأمانة) بالتأكيد أن تفعل الكثير خدمة للصالح العام أو المصلحة العامة، ولكن هذا (الحق) محكوم ب(النظام) وب(الشرع)، وب(التاريخ).. أيضاً، وهذا ما يجعلني أتوجه في الختام، داعياً سموه إلى مواصلة ما بدأه في حواره حول تطوير العشوائيات في مدينة جدة، وترتيب أولوياتها أمام شركات التطوير العمراني، بصفة عامة، وملف حي الرويس بصفة خاصة؛ حيث لم يتقرر أو يُعتمد شيء بعد.. كما قال سموه.
ومن قبل.. ومن بعد: شكراً عميقاً ل(نجم الحوار).. وتمنيات بمزيد من التوفيق لفريق الزملاء الأعزاء الذين قدموا به ومعه أجمل حوار.