لا تزال قضية دبلوم معلمي اللغة الإنجليزية منذ عام 1423هـ، تراوح مكانها حتى يومنا هذا، وتبدأ تفاصيل القصة، حين أعلنت جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وأكاديمية الفيصل العالمية في الصحف المحلية،
عن البدء في تسجيل الطلاب في دبلوم خاص باللغة الإنجليزية، لتعيينهم في المدارس الابتدائية في وزارة التربية على مسمى: (معلم بالمستوى الثالث)، تحت شعار: (برامج الدبلوم معتمدة ومصنّفة من وزارة الخدمة المدنية على المرتبة السادسة). وكان رسوم التسجيل ببرنامج الدبلوم (2500) ريال، لكل طالب وطالبة. وقد تجاوز عدد الخريجين (1500) خريج وخريجة، موزعين على أربع مدن من مناطق المملكة، هي: الرياض والمدينة المنورة والقصيم والأحساء.
وفور تخرج طلاب وطالبات الدبلوم، لم تعترف وزارة التربية والتعليم بهم، - وبالتالي - لم يتم تعيين أي من خريجيه وخريجاته، بحجة عدم حصولهم على البكالوريوس، هذا من جهة. ومن جهة أخرى، فإن الوزارة لا تسمح بتعيين حاملي الدبلومات. فصدموا عندما علموا بأن الوظيفة التي كانوا يلاحقونها، ما هي إلا محض سراب خادع وضع لهم، لكي يتم تحصيل مبالغ الرسوم المالية المطلوبة. وعندها شعر كثيرٌ من الخريجين بالإحباط ومرارة الظلم الذي وقع عليهم، - خصوصاً - عندما رفض مسؤولو الجامعة والأكاديمية استقبال الوفود التي شكلت من الخريجين، لبحث المشكلة مع الجامعة والأكاديمية، بحكم - كونهما - الجهتين اللتين استفادتا من الأموال التي دفعها الخريجون.
مصدر هذه الأموال التي دفعها الخريجون، هي بطبيعة الحال من أرزاق عوائلهم، حيث إن بعضهم استلفت أمهاتهم وأخواتهم هذا المبلغ الباهظ (25000) ريال، لكي يتم إلحاق أبنائهن، أو إخوانهن بهذا الدبلوم. فالعديد من الأمهات استلفن تلك المبالغ، على أن يكون سدادها من مرتبات أبنائهن من الوظيفة التي سيحصلون عليها بعد التخرج، وبعضهم الآخر قد باع سيارته وهي كل ما يملك، لكي ينتهز هذا الفرصة ويبني مستقبله. وقد حدثني - أخي - سطام العوض - أحد المتضررين في هذه القضية - بأن مبلغ القسط الأول من أقساط الدبلوم لأحد الطلاب البالغ (6250) ريالاً، تبرعت به زوجة أخيه، حيث لم يستطع تأمين هذا المبلغ، فما كان من زوجة أخيه حين رأت حالته النفسية السيئة، التي نتجت بسبب عدم استطاعته تأمين هذا المبلغ، إلا أن أخرجت كل ما تملك من مجوهرات وباعتها، وأعطته هذا المبلغ لكي تساعد شقيق زوجها على بلوغ رتبة الإنسان العامل والمنتج، حتى لا يعيش عالة على غيره. وان بعض زملائه استلفوا هذا المبلغ على أمل السداد بعد التخرج، بل إن إحدى الأمهات الأرامل التي كانت تملك قطعة أرض، ادخرتها لبناء منزل يؤوي أبناءها وبناتها اليتامى باعت هذه الأرض، لكي تلحق أكبر أبنائها في هذا الدبلوم، ما يؤكد أن برنامج الدبلوم تسبب في خسائر مادية جسيمة للخريجين وعوائلهم، كما تسبب بآلام نفسية قاسية على الخريجين وأهاليهم، بعد أن أنفق هؤلاء الخريجون مبالغ طائلة تصل إلى عشرات الملايين للحصول على هذا الدبلوم.
ومع أنه قد صدر حكم ديوان المظالم، في: 4 - 11 - 1427هـ، بموجب خطاب رئيس ديوان المظالم رقم (4445)، في قضية إعداد معلمي اللغة الإنجليزية للمرحلة الابتدائية، الصادر من أكاديمية الفيصل العالمية وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، والقاضي بإعادة الرسوم الدراسية، وهي (25000) ريال لكل خريج من أصحاب الدعوى، وعددهم (110) خريجين من أصل (1500) خريج، إلا أن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية لم تنفذ الحكم الصادر حتى هذه اللحظة، فتارة تتذرع بتشكيل لجنة للملمة الموضوع، وتارة تتذرع بأنها لم تصدر أي أحكام لجميع خريجي الدبلوم. ولا يزال الجدل دائراً حول دواعٍ مالية تتعلق بميزانية جامعة الإمام، وعدم صرف تلك المستحقات من وزارة المالية، وأهدرت حقوق الطلاب والطالبات بطريقة مكشوفة، فحصدوا الخسارة في المال والجهد والوقت، إضافة إلى الإحباط النفسي.
على الرغم من مرور تلك السنوات، وعلى الرغم من كتابة أكثر من (150) مقالاً عن القضية نشرت في الصحف السعودية، إضافة إلى تفعيل القضية إعلامياً عبر القنوات الفضائية، وعبر الشبكة العنكبوتية، فإن القضية لا تزال حية في أذهان المتضررين، لتوثق خللاً ما زلنا نعيشه بحجم مأساة، أرجو ألا يكون لها مكان في الظل، بل تحت أشعة الشمس، وكأن الحق لم يعد حقاً، والجرأة في طلبه توصل إلى التهلكة.
وقبل أن نلجأ إلى عدالة السماء التي هي أكبر من عدالة البشر، فإن من أبسط حقوق هؤلاء الدارسين، هو: إيجاد حل شامل لهم يكفل معالجة جميع السلبيات والأضرار، كإكمال تعليمهم الجامعي، أو إتاحة الفرصة لهم في برنامج الملك عبد الله للابتعاث الخارجي، وتعويضهم عن الأضرار المادية والمعنوية التي لحقت بهم من جراء دراستهم للدبلوم. فانتهاك الحق يثير الضمير، كما يثير استنكار القريب والبعيد، لكن لا يمكن محوه من ذاكرة طالب الحق، ولا منتهكه، ولا شهود التاريخ. - ولاسيما - أن في مفرداتنا اللغوية كلاماً جميلاً، وذا معانٍ سامية لأمير المتحدثين علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - حين قال: (لا يضيع حق وراءه مطالب). وسيثمر الصبر والتخطيط، عندما تتحقق الآمال، وتزدهر الورود.
drsasq@gmail.com