تذكرت وأنا أستمع إلى موقف عدد من المعممين والساسة الإيرانيين من الأحداث في اليمن، قصة تُروى عن مكر سيدة ومدى خبثها وخداعها وتزييفها للأمور، يُقال: إن سيدة تعيش مع ابنها الوحيد في منزل منعزل عن الآخرين، وكان لها عشيق يتردد عليها في غيبة ابنها، لكن هذا العشيق يجد صعوبة في التردد على هذه السيدة متى ما أراد أو أرادت هي، ويعود السبب إلى وجود مجموعة من الناس يستظلون بصفة دائمة تحت شجرة أمام باب منزل هذه السيدة، مما جعل فرص تردد العشيق عليها قليلة، شعرت المرأة بالضيق من هؤلاء الذين يجلسون كل الأوقات أمام منزلها تحت الشجرة، في أحد الأيام قالت المرأة لابنها بكل خشوع وورع: أي بني، يجب أن تقطع الشجرة التي أمام باب منزلنا، قال الابن: ولِمَ ؟ قالت: بسبب كثرة العصافير التي تتردد عليها، هذه العصافير تضايقني أثناء وضوئي، فأنا أخشى منها أن ترى عورتي أثناء الوضوء، صدّقها ابنها، قطع الشجرة، ولم يعد المكان مناسباً لأولئك النفر الذين كانوا يجتمعون تحت ظل الشجرة، فخلا الجو للمرأة وعشيقها من مراقبة هؤلاء فصار يتردد عليها كل آن وحين حسب رغبتهما، فرحت بهذا، وصارت تردد (خلا لك الجو فبيضي واصفري).. وفي أحد الأيام جاء الابن على غير عادته إلى المنزل، ووجد العشيق مع والدته في وضع غير لائق، لم يصدق ما رأى، ضاقت به الدنيا، وتداعت كل علامات الاستغراب والاستفهام أمام ناظريه، لم يجد جواباً، ولم يستطع الجمع بين خوف والدته من العصافير أن تكشف عورتها، ووضعها المخجل الفاضح مع العشيق الذي تجاوز كل حدود الخوف من الله ومراقبته وخشيته.
حال إيران اليوم كحال هذه السيدة التي تخشى من العصافير أن ترى عورتها، في حين أنها تعمل كل الموبقات وكل المحرمات في أجل صورها دون حياء أو خوف أو خشية من الله، بعض الزعماء في إيران يستنكرون القتال في اليمن، ويرون حرمة سفك دم المسلمين هناك، ولا سيما في هذه الأشهر الحرم، ولا ريب أن الإسلام صان دماء المسلمين وحرّمها، وأن قتل المسلم أمر عظيم منكر, وأنه يؤلم النفس أشد ما يكون الإيلام، لكن كيف لنا أن نصدق هذا التباكي على دماء المسلمين والتحسر عليها وهم الذين يسفكون دماء المسلمين السنة في إيران كل يوم ويحرمونهم من أبسط حقوقهم المدنية والشرعية؟.. كيف نصدق تباكيهم على سفك دماء المسلمين في اليمن، وهم من يسفك الدماء بصورة بشعة تفوق كل خيال ومنطق في العراق كل صباح وكل مساء؟.. كيف لنا أن نصدق هذا الاستنكار وهم الذين يقتلون كل من يُسمى بعمر أو عثمان؟.. كيف لنا أن نصدق استنكارهم القتل في الشهر الحرام وهم الذين رتبوا وتصدروا مسيرة القتل وسفك الدم في الشهر الحرام في البلد الحرام في مكة المكرمة؟.. يبدو أن ذاكرة هؤلاء القوم مشوشة، أو مصابة بداء النسيان والخرف، أو أنهم يكيفون مواقف الاستنكار حسب أهوائهم ومصالحهم.. بالأمس القريب أقام ساسة إيران ومعمموها الدنيا ولم يقعدوها بعد حادثة التفجير التي وقعت في بلادهم، وراح ضحيتها عدد من المدنيين والقادة العسكريين، وهي حادثة منكرة مرفوضة بكل المقاييس والمعايير، حيث هددوا صراحة جارتهم الباكستان، وقالوا بكل صفاقة: سلِّموا لنا المتسببين.. أو أننا سوف نجتاح الأراضي الباكستانية، لكن حكمة الساسة في الباكستان حالت دون حماقة كانوا يخططون لها.
الساسة في إيران والمعممون يستنكرون مقاتلة المتسللين البغاة المعتدين الذين تسببوا في قتل أنفس بريئة غيلة داخل حدود المملكة، وفي الوقت نفسه لا ينظر هؤلاء الساسة والمعممون إلى أنهم هم من تسبب في هذا البغي وهذا الاعتداء، لقد ارتكبوا جرماً أشد فظاعة وبشاعة من القتل، إنهم يصنعون الفتنة، والفتنة أشد من القتل، والفتنة أكبر من القتل، إنهم يسعون وينتشرون مثل خلايا السرطان، ينشرون الفتنة والأفكار المشوهة في كل بلاد الدنيا التي يُوجد فيها مسلمون، لقد ابتلوا المسلمين في دينهم، وأفسدوا عليهم إيمانهم وصفاء عقائدهم، وجروهم إلى أتون الشتم واللعن والخوض في الأعراض دون خوف من الله وحياء من الناس، فالمتسللون إلى عهد قريب يعتنقون المذهب الزيدي، وهو مذهب معتبر مسالم مقدر عاقل متوافق مع السنة في جل أفكاره ومواقفه، حتى جاءت الجرثومة السرطانية الصفوية بمآلها وبمعتقداتها الفاسدة فقلبت حال هؤلاء رأساً على عقب، حرفوهم عن طريق سواء كانوا يسلكونه ويعتقدونه منذ زمن زيد بن علي رضي الله عنه حتى دخول هذه الجرثومة الصفوية السرطانية جسم هؤلاء، فنهشت الجسم وأفسدت العقل والفكر، وحرفت الاتجاه نحو إثارة الفتن والقتل والخروج والبغي على الأهل والوطن.
حفظ الله بلادنا وحرسها من كل باغٍ وحاقد، وسلمت أيدي حماته البواسل من كل شر ومكروه، وشلت يد كل باغٍ ومعتدٍ على ثراها الطاهر.