كتب - عبد العزيز المتعب :
ليس لدي أي سبب موضوعي، أو منطقي، أو حتى من منظور نقدي - مقنع - يبرر كل هذه الحدة التي تتجاوز حدود الاختلاف وتقترب كثيراً مع الأسف من حدود الخلاف عبر التراشق بمفردات لم أكن أتمنى قراءتها هنا وهناك في تبادل الحجج بين من ينتصرون لذائقتهم في حب الشعر الفصيح وبغض الشعر الشعبي والعكس، ولأنني أجزم أن وعيهم على ما يرام فإنني أؤكّد أيضاً وبالأدلة أن نقدهم (انطباعي)؛ لأن الشاعر صاحب التجربة المتبلورة تماماً هو كذلك سواء قدم للمتلقي الشعر الفصيح أو الشعبي؛ لأن الشعر هو الشعر فالوزن، والقافية، والمعنى، والمفردة، والتداعيات، والأخيلة، والرموز، والصور، هي ما تدعم التميز أو التفرّد للنص وبالتالي الشاعر في ميزان النقد الحقيقي، وعليه فإن الاختلاف (نحوي صرف) فقط، أما ما عدا ذلك فلا اختلاف بين الشعر الشعبي والفصيح بدليل أن أركان التشبيه الأربعة متوفرة في الأول والأخير وهي (المشبه، المشبه به، أداة التشبيه، وجه الشبه) وكذلك المجاز موجود في الشعر الفصيح والشعر الشعبي (المجاز العقلي والمجاز اللغوي الذي ينقسم بدوره إلى الاستعارة والمجاز المرسل، وكذلك الاستعارة بأقسامها: التصريحية والمكنية والاستعارة الأصلية - والتبعية - والاستعارة باعتبار الملائم - والاستعارة التمثيلية).
أما على صعيد الوزن فكل البحور الموجودة في الشعر الفصيح موجودة في الشعر الشعبي: (كالطويل، المديد، البسيط، الوافر، الكامل، الهزج، الرجز، الرمل، السريع، المنسرح، الخفيف، المضارع، المقتضب، المجتث، المتقارب، المتدارك).
وكذلك لو طبقنا (بحيادية) في المقارنة بين الشعر الشعبي والفصيح - علم البديع - وتحديداً المحسنات البديعية (كالمطابقة، والمقابلة، المبالغة، الغلو، الإيغال، التتميم، التورية، التقسيم)، والمحسنات البديعية اللفظية كالجناس والسجع لوصلنا لنفس النتيجة آنفة الذكر.
من جهة متصلة في نفس السياق هناك من الشعراء السعوديين المتميزين من قدَّم الشعر الفصيح والشعر الشعبي بإتقان متساو في جودته بين الأول والأخير تماماً، كصاحب السمو الملكي الأمير عبد الله الفيصل رحمه الله، والدكتور غازي القصيبي الذي كتب قصيدة شعبية مشهورة وجهها كدعوة للأمير خالد الفيصل لإقامة أمسية في لندن حين كان سفيراً للسعودية في بريطانيا وقتذاك وقد لبَّى الأمير خالد الفيصل الدعوة، وكذلك الدكتور إبراهيم العواجي وعبد الله السميح وغيرهم.