الجزيرة- أحمد الجاسر:
أكد معالي مدير جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية أ. د. سليمان بن عبد الله أبا الخيل ضرورة التعليم الشرعي، وأنه لا مزايدة على أهميته لكل مسلم, مشيراً إلى دور جامعة الإمام وريادتها في مجال العلوم الشرعية في المملكة والخليج العربي والعالم الإسلامي.
وقال خلال مشاركته في مؤتمر رابطة علماء الشريعة بدول مجلس التعاون الخليجي المنعقد في مملكة البحرين خلال الفترة 9 - 11 ذي القعدة تحت عنوان: (التَّعْلِيْمُ الشَّرْعِيُّ فِي دُوَلِ مَجْلِسِ التَّعَاونِ الخَلِيْجِي: الوَاقِعُ وَالطُّمُوحُ)، والذي رعاه الشيخ عبد الله بن خالد آل خليفة عميد الأسرة الحاكمة, ورئيس المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في مملكة البحرين، بورقة عمل بعنوان: (الكُلِّيََاتُ الشَّرْعِيَّةُ فِي المَمْلَكَةِ العَرَبِيَّةِ السُّعُودِيَّةِ نَشْأَةً وَتَطَورًا وَأَثَرًا)، لو عدنا إلى النصوص الشرعية الواردة في الكتاب والسنّة بشأن العلم، لوجدنا كمًّا كبيرًا من النصوص الدالة على أنّ للعلم الشرعي في الإسلام مكانة عظيمة ومنزلة عالية.
وأوضح أنّ مسيرة التعليم الجامعي في المملكة انطلقت بإنشاء كلية العلوم الشرعية بالرياض عام 1373هـ، مشيراً إلى أنه بصدور المرسوم الملكي على نظام جامعة الإمام محمد سن سعود الإسلامية في عهد الملك فيصل واعتبارها مؤسسة عالمية عالية، شهد التعليم الجامعي للعلوم الشرعية تطوراً كبيراً غير مسبوق في المملكة.
وشدد معاليه على أهمية العلوم الشرعية ودورها في البناء الاجتماعي لدول مجلس التعاون الخليجي، وقال: (إذا نظرنا إلى الخلفية التأريخية والثقافية لهذه الجزيرة العربية التي تضم دول مجلس التعاون الخليجي, واعتبار البعد الديني أساسًا لقيام هذه الدول, وأصلاً عظيمًا نشأت عليه, وأساس الثوابت التي تنهض بواقع هذه الدول ومستقبلها، أدركنا أهمية التعليم الشرعي, والمسؤولية العظيمة التي يتحملها ولاة الأمر, وصنّاع القرار, ومن يباشرون مسؤوليات التعليم تجاه المحافظة عليه, وتعزيزه, وتوظيف النظريات التربوية, والأساليب الحديثة, والوسائل والتقنيات للارتقاء به, ونشره في كافة مراحل التعليم العالي).
واستشهد أ. د. أبا الخيل بالواقع التاريحي للمملكة، وقال: إنّ العناية بالشريعة والعلم منهج قامت عليه بلادنا المباركة, منذ أن نصر الإمام محمد بن سعود الدعوة الإصلاحية التي حمل لواءها الإمام المجدد محمد بن عبد الوهاب, وتعاهدا وتعاقدا على ذلك, مشيراً إلى أنّ نصرة التوحيد والشريعة كانت هي المنطلق في الدعوة والإصلاح, وإقامة الدولة الأولى, مؤكداً أنّ الله نصرهم لنصرة دينه, وأيّدهم لحمايتهم هذا المنهج الحق الذي يمثل حقيقة الإسلام وفهمه على مراد الله ومراد رسوله.
وأشار إلى أنّ مخرجات كليات الشريعة في الجامعات السعودية وتوسعها وتنامي عدد الملتحقين بها، أكد من جديد ارتباط تلك الكليات بسياسة المملكة وثوابتها، وأنها آتت ثمارًا يانعة, ومخرجات متميزة, ساهمت في نهضة الوطن وتطوره في شتى مجالات البناء والنماء, وأسهمت بفاعلية في المجالات الشرعية كالإمامة والقضاء والدعوة والإفتاء, والتوجيه والإرشاد.
وقال لو عدنا إلى النصوص الشرعية الواردة في الكتاب والسنّة بشأن العلم، لوجدنا كمًّا كبيرًا من النصوص الدالة على أنّ للعلم الشرعي في الإسلام مكانة عظيمة ومنزلة عالية.
وأشار إلى أنّ الله سبحانه وتعالى مدح العلم وأهله، وحثّ عباده على العلم والتزوّد منه وكذلك في السنّة المطهرة, مؤكداً أنّ العلم من أفضل الأعمال الصالحة، وهو من أجلّ العبادات، لأنه نوع من الجهاد في سبيل الله، ونور يهتدي به الإنسان، ويخرج به من الظلمات إلى النور.
وبيّن أ. د. أبا الخيل أنّ العلماء هم المبلغون للشريعة وحدودها عن الله ورسوله, والمطبقون لأحكامها على ما يحدث في المجتمع من نوازل, وما يجد من قضايا وحوادث, كبيرة كانت أو صغيرة غامضة أو واضحة, دينية أو دنيوية, مشيراً إلى أنهم للناس كالجبال للأرض, يرسونهم ويثبتونهم, ويبينون لهم ما يشكل عليهم, ويبصرونهم في عباداتهم ومعاملاتهم وعلاقاتهم وتصرفاتهم وجميع شؤونهم, ويجعلونهم ينطلقون فيها على هدى وبصيرة, وبدون شك أو تردد.
كما أنهم يحذّرونهم من الوقوع في الشبهات والشهوات والهوى والتوجهات الضارة, والانغماس في المبادئ والأفكار الهدامة مهما كان منبعها أو مصدرها والمنادي بها ولها, مبيناً أنهم ينطلقون في ذلك من قواعد الشريعة وأصولها وأسسها.
وأكد معاليه أنّ الأئمة والملوك استمروا على هذا النهج السديد, مشيراً إلى أنّ مؤسس الدولة السعودية الثالثة، الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود - طيّب الله ثراه - أقام هذه الدولة على أساس من كتاب الله وسنّة رسوله صلى الله عليه وسلم التزاماً بمنهج سلف الأمة, واعتماداً للعلم الشرعي وتأييداً له, ونشراً لسبله بكل وسيلة, مضيفاً: فها هو يقول (إنني رجل سلفي, وعقيدتي هي السلفية التي أمشي بمقتضاها على الكتاب والسنّة).
وتابع: استمر على التمسك بهذا الأصل الأصيل أبناء الملك المؤسس, وساروا على هذه الحقيقة الناصعة, التي تؤسس لأمن شامل, وصورة مثالية تجمع بين الثبات على الأسس والثوابت, والأخذ بتقنيات العصر وأدواته وما يحقق تطوره, وهذا ما قاله ولاة أمرنا - رحم الله الأموات, وحفظ الأحياء وأبقاهم ذخرًا وفخرًا وعزًا -, فلقد قال خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز (والحقيقة إن الحضارة الإسلامية كلها, وفي مختلف المجالات قامت على العلم؛ وذلك لأنّ رسالة الإسلام شاملة لكل مناحي الحياة, ولا تقوم الحياة الفاضلة إلا على العلم, ولم يحصل الانحدار الحضاري للأمة الإسلامية - في أي فترة من فترات تاريخها - إلاّ بالبعد عن منابع هذا العلم الشريف جهلاً أو تجاهلاً, وأيضًا لم يحصل التقدم في تاريخ المسلمين إلاّ بالعودة الصحيحة إلى المنابع الصافية, وهي كتاب الله وسنّة رسوله, وفي هذا المضمار كانت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب تجديدًا لحياة الجزيرة العربية بالعلم الشرعي, ونور الإسلام الحنيف, وذلك حين تعاون مع الإمام محمد بن سعود, عليهما رحمة الله تعالى, وبحمد الله وتوفيقه، فإنّ تاريخ الدولة السعودية خير شاهد على اهتمام قادتها العظيم والمستمر بالعلم - عقيدة وشريعة ودعوة -, فعلى العلم الشرعي أسس أئمة البلاد وحكامها الدولة, وبه وله عاشوا, من لدن الإمام محمد بن سعود, وإلى من خَلَفَه من حكام, إلى الملك عبد العزيز- باني نهضتنا الحديثة -, وإلى عهدنا هذا, وقد تطورت الحضارة - والحياة التعليمية بوجه خاص - حتى أصبح للعلوم الشرعية والعربية مؤسساتها الخاصة.
وقال خادم الحرمين الشريفين ملك الحكمة والإنسانية والسداد أول ما أفاء الله عليه بالحكم, وتولى مقاليده: (أعاهد الله ثم أعاهدكم أن اتخذ القرآن دستوري, والإسلام منهجي, وأن يكون شغلي الشاغل إحقاق الحق وإرساء العدل وخدمة المواطنين كافة بلا تفرقة), وقال أيضًا: (لقد أعزّ الله هذه الدولة لأنها أعزّت دين الله وسارت على نهج ثابت يتوارثه خلف عن سلف وسوف تبقى عزيزة لا يضرها من عاداها ما دامت ترفع راية التوحيد وتحكم شرع الله), وقال - حفظه الله - عن جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: (نحن نرى في هذه الجامعة - أي جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية - وأخواتها في المملكة مستقبلاً يتعالى ويسمو مع روح الإسلام ومع المُثل العليا, لا نغرق في التشاؤم الذي يغرق فيه أكثر هذا العالم, روح الإسلام هي روحنا, وسماحته هي مبدؤنا, ودعوته هي دعوتنا, والحكمة في الدعوة والصبر في سبيلها لا يعلو عليه سوء فهم ولا قصر نظر).
وقال ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز - حفظه الله -: (ولقد وفقنا الله - في المملكة العربية السعودية - لأن نقيم حياتنا المعاصرة على العلم, العلم التجريبي, ولهذا جامعاته ومؤسساته, والعلم الذي يحفظ وجودنا المعنوي, وشخصيتنا الحضارية المتميزة, وهو العلم الديني).
وأضاف معالي أ. د. أبا الخيل: أما صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء, ووزير الداخلية فقد قال: (إن دولتنا تنهج بعد كتاب الله نهج السلف الصالح، ونحن دولة سلفية ونعتز بهذا والجميع يعرف ذلك، والسلفية ليست مذهباً والمذاهب معروفة أربعة: الحنفي، المالكي، الشافعي، والحنبلي، أما ما غيرها فهو نهج والنهج السلفي هو ما علمنا به رسول الله بقوله: (عليكم بسنّتي وسنّة الخلفاء الراشدين من بعدي), ومنهم التابعون وتابعو التابعين، فإذن تابعو التابعين هم على نهج السلف الصالح ..., والنهج الصحيح هو الذي يطلب ما عند الله ويريد أن يصلح الدنيا بالإسلام وبالقرآن و بالسنّة النبوية وما كان عليه السلف الصالح في النهج والثوابت، أما الأزمنة فهي تتغير وتتمحور حسب ظروفها, نعم نحن في زمن العلم والتقنية والإسلام يحث على ذلك ولا يمنعه).
وأكد أ. د. أبا الخيل أنّ كلام ولاة الأمر - حفظهم الله - شرعي مؤصل واضح يبين قيام المملكة على أصل راسخ, ومنهج ثابت, وقواعد متينة, وأسس صلبة, إليها يعزى - بعد فضل الله ومنته - ما تعيشه بلادنا من أمن وأمان, ورغد في العيش, وبسطة في المال, مبيناً أن ذلك وعد الله لمن نصر دينه، مشدداً على أنّ العناية بالعلم الشرعي لم يقف في طريق التطور، بل إنّ الاتجاه الإسلامي في التعليم كان رافداً وعلامة مميزة للنهضة التعليمية في العهد السعودي.
ولفت إلى أن المسلمين الأوائل عرفوا التعليم العالي قبل أن يعرفه الغرب في العصور الوسطى بقرون عديدة, مشيراً إلى أنه عرف في جامعة قرطبة التي أنشئت في الأندلس عام 180هـ, ثم في جامعة القرويين في المغرب عام 245 هـ, وفي جامعة الأزهر في مصر عام 369 هـ, وجامعة الزيتونة في تونس عام 682 هـ, وفي هذه البلاد المباركة المملكة العربية السعودية بدأت نشاطات التعليم قديمًا في حلقات الدروس بالمساجد - خصوصاً الحرمين الشريفين - ثم التعليم في الكتاتيب وهي نوع من التعليم يدرس القرآن الكريم ومبادئ القراءة والكتابة, ثم في (الكتُّاب).
وبيّن معاليه أنّ التعليم الحكومي بدأ منذ أن عُقِدَ أول اجتماع تعليمي في تاريخ المملكة، (حينما دعا الملك المؤسس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود ? طيّب الله ثراه - في جمادى الأولى من عام 1343هـ العلماء في مكة المكرمة إلى اجتماع عام حثهم فيه على نشر العلم والتعليم، وتنظيم التوسع فيه).
وأشار إلى أنّ تلك المبادرة من الملك عبد العزيز كانت منطلق الأساس لبناء السياسة التعليمية في المملكة، التي أسهمت منذ بدايتها في النهضة التعليمية والتربوية التي حققها التعليم العام والعالي في المملكة، ومن ثم تأسست المديرية العامة للمعارف بمكة المكرمة في 1-9- 1344هـ، مبيناً أنّ البداية الفعلية لكليات الشريعة في المملكة, والتي كانت أساسًا للجامعات السعودية ترجع إلى المعهد العلمي السعودي الذي حرص الملك عبد العزيز على تدريس العلوم الشرعية فيه, وأنشئ بأمر من الملك عبد العزيز في مكة المكرمة في عام 1345هـ, وكانت مدة الدراسة فيه خمس سنوات, ويقبل فيه حاملو الشهادة الابتدائية أو ما يوازيها, واستمر يؤدي رسالته حتى عام 1381هـ حيث ألغي وحلّت محله معاهد المعلمين والمدارس الثانوية التي بدأت تنتشر في ذاك الوقت.
وفي عام 1373هـ أنشئت كلية العلوم الشرعية في الرياض, التي كانت بداية للتعليم الجامعي في مدينة الرياض, فكان افتتاح هذه الكلية هو الأمل الذي تحقق لكثير من الشباب الواعي المثقف, المقبل على مناهل العلم، وأعطت هذه الكلية للطلاب الدارسين في معهد الرياض العلمي وغيرهم الفرصة لمواصلة دراستهم الجامعية.
وفي عهد الملك فيصل صدر المرسوم الملكي بالمصادقة على نظام جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية, واعتبارها مؤسسة عالمية عالية. وفي عهد الملك خالد توسعت الجامعة وافتتحت المزيد من الكليات والمعاهد, وما تزال الجامعة اليوم تكبر وتتسع حتى أصبحت على أبواب مستقبل مفعم بمقومات النهضة العلمية المتكاملة برعاية رائد العلم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز - حفظه الله -, وتشجيع من سمو ولي عهده الأمين الأمير سلطان بن عبد العزيز, وسمو النائب الثاني الأمير نايف بن عبد العزيز - أيّدهم الله -, وتُعَد هذه الجامعة هي أصل نشأة الكليات الشرعية, وهي أساس العلم الشرعي, ورافد من روافد العلم والفقه, وهي مسيرة حافلة, وخطوات راسخة, سارت ليؤمها كثير من الطلاب للحصول على العلم الشرعي التأصيلي, المبني على أصول راسخة. وتُعد هذه الكلية واحدة من أقدم الكليات في هذا المجال, وأسسها التعليمية على تنمية الثقافة الإسلامية ونشرها, ورعاية البحوث الفقهية والقضائية, والحفاظ على التراث الإسلامي الأصيل.
وأوجز د. أبا الخيل ثمار كليات الشريعة بأنها تتمثل في تأكيد للثوابت التي قامت عليها المملكة وترسيخها، وأنها تأسست على الإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة, وأنّ هذا هو سر التمكين والاستخلاف وما تعيشه من نعم متجددة, وآلاء لا تحصى ولا تحصر.
وبيّن أن من بين الثمار أيضاً ظهور أثر العلم الشرعي في التربية والتوجيه, لأنّ من المسلّمات أنه لا يمكن فصل التربية بجوانبها المتعددة وأساليبها المختلفة عن التعليم, فإذا كانت المناهج قائمة على العلم الشرعي, فإنّ ذلك ينعكس أثره على أداء المعلم والموجه, وعلى المتلقين لهذا العلم, فتكون التربية الإسلامية منطلقًا للتصرفات والسلوك, وتصبح تلك التصرفات صورة صادقة للمجتمع الذي تسوده هذه المثالية المتوخاة من التعليم الشرعي.
وتابع: وكذلك شغل الوظائف المرتبطة بالأمور الشرعية بل وحتى في مناحي الحياة الأخرى بمخرجات التعليم الشرعي, المتمثلة في كفاءات تحمل هذا العلم وتؤديه في كل مجال, وعلى الأخص الوظائف التي تعتمد على العلم الشرعي من القضاة والمحققين, وكتّاب العدل والدعاة، ومعلمي المواد الشرعية, وفي المجالات المدنية أو العسكرية، إلى جانب المساهمة الفاعلة والمؤثرة في نهضة البلاد وتقدمها والتطور المدروس, المبني على رعاية الأصول والثوابت, والأخذ بتقنيات العصر وأدواته وأساليبه التي لا يمنع منها التمسك بالشرع, بل على العكس من ذلك.
وأضاف: (من الآثار الهامة لنشر العلم الشرعي من خلال المقررات والمناهج والأساليب التعليمية أنه يشكل ضمانة للمجتمع من صور الانحراف بطرفيه المذمومين, الإفراط والتفريط)، موضحاً أنّ الفتن والانحرافات تعود إما إلى شبهة أو شهوة, وللعلم الشرعي المستقى من موارده الأصلية, المتلقى عن الراسخين فيه أثر عظيم في كشف هذه الشبهات, وتنمية الوازع الديني الرادع عن الوقوع في الشبهات المحرمة.
ولفت إلى أنّ من يتأمل للانحرافات التي لم تكن وليدة اليوم, بل هي امتداد فكري وتأريخي يجد حقيقةً أنّ الجهل بالشريعة بقواعدها ومقاصدها وأحكامها, أو بطرق الاستنباط وتنزيل الأحكام، سبب رئيس فيما يقع, مشدداً على أنّ العناية بالعلم الشرعي مطلب أساس لطرح الرؤى الوسطية, وإظهار الحجج الشرعية, ومقاومة هذه الانحرافات الفكرية, وتُعد هذه الثمرة من أبرز الثمار, وهي دافع للعناية بالعلم الشرعي, سيما مع ظهور الانحراف, وانتشار الفتن.
وأوضح أنّ تلك الثمرات تتحقق بما تركز عليه الكليات الشرعية من أمور غاية في الأهمية, تُعد مرتكزات أساسية للتعليم والتربية والتوجيه, أهمها: ترسيخ العقيدة الصافية الصحيحة, والمنهج الوسطي المعتدل, وحمايتها من المؤثرات, وذلك بدراسة التوحيد ومباحثه من مراجعه الأصيلة كالعقيدة الطحاوية والواسطية وغيرها من كتب أئمة السلف - رحمهم الله -، والعناية بكتاب الله قراءةً وتدبرًا وتفسيرًا وتأملاً, والتزوّد بهذه العلوم من كتب التفسير بمناهجهم المختلفة، وبسنّة المصطفى عليه الصلاة والسلام, والتركيز على جملة من أحاديث الأحكام وشروحها, والأحاديث الأخرى من مصادرها التي أودعها علماء السنّة في المصنفات والمسانيد والسنن.
وكذلك تعلّم أحكام العبادات والمعاملات وغيرها من أحكام الشريعة التي يحتاج إليها المجتمع والأمة, ومعرفة أدلة تلك الأحكام ومقاصدها وقواعدها من مصادر أصيلة متنوعة, تنمي لدى المتلقي ملكة الفقه، وأصول الاستدلال ومناهجه, وذلك بدراسة أصول الفقه, وما فيه من بيان المقاصد الشرعية, والقواعد الكلية, والتعمق في هذه الأصول التي تثمر سلامة الاستنباط والتنزيل والتخريج للوقائع النازلة والمتجددة، إضافة إلى العلوم الأخرى المساندة, والمناهج التي تؤهل الطلاب, وتعينهم على إدراك الواقع الذي يعيشونه, والتعامل معه بوعي وبصيرة.
وتوصل أ. د. أبا الخيل إلى جملة من النتائج أهمها عناية ولاة الأمر في المملكة العربية السعودية بالعلم الشرعي, بل ونشأتهم عليه, ودعمهم لكل ما يتصل به, وتقديرهم واحترامهم وتوقيرهم لأهله وحملته, وهذه مسألة تُعد من ثوابت هذه البلاد ولله الحمد، موضحاً أن هذه العناية لم تقتصر على دور معين, لكنها في عهد الملك المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن وأبنائه البررة كانت أظهر وأجلى, بل تبلورت في صورة جهود مؤسسية وأعمال دؤوبة مخلصة تنامت وتكاملت وقامت على سوقها, وآتت ثمارها يانعة بحمد الله.
وبيّن أنّ إنشاء القسم الشرعي في المعهد العلمي السعودي بمكة عام 1345هـ, ودار التوحيد عام 1364هـ بالطائف, والمعهد العلمي في الرياض عام 1370هـ يُعد بدايات كليات الشريعة في المملكة بعامة, ونواة للجامعات التي عنيت بالعلم الشرعي فيما بعد، مشيراً إلى أن كلية الشريعة بمكة المكرمة التي أنشئت عام 1369هـ تعتبر أول تجربة رائدة للتعليم الجامعي بالمملكة العربية السعودية.
كما تُعد كلية الشريعة في الرياض التي أنشئت عام 1373هـ وانبثقت عن المعهد العلمي قفزة كبيرة للتعليم في نجد في عهد الملك عبد العزيز, والنواة الأولى لجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، منوهاً بأن توالي كليات الشريعة في الجامعات السعودية وتوسعها, وتنامى عدد الملتحقين بها, يؤكد ارتباط هذه الكليات بسياسة المملكة وثوابتها، وأنها آتت ثمارًا يانعة, ومخرجات متميزة, ساهمت في نهضة الوطن وتطوره في شتى مجالات البناء والنماء, وأسهمت بفاعلية في المجالات الشرعية كالإمامة والقضاء والدعوة والإفتاء, والتوجيه والإرشاد.
وأوصى معالي أ. د. أبا الخيل في ختام مشاركته بالعناية بكليات الشريعة, وتوسيع دائرتها لتشمل الاستفادة منها طبقات متنوعة, مؤكداً على دورها في معالجة الانحرافات الفكرية, وأثرها الإيجابي في هذا الشأن الهام.
وشدد على أنّ ذلك كله يحمل المسؤولين عنها وعن الجامعات التي تضمها مسؤولية مضاعفة في الجد والاجتهاد والحرص وتوخي الحذر, وضبط المسار, وتحمل الأمانة أمام الله والأمة, حتى لا تستغل في خدمة توجهات أو حزبيات تفرق ولا تجمع, وتهدم ولا تبني, وتسيء ولا تحسن.