فيما يلي كلمة معالي الدكتور يوسف بن أحمد العثيمين وزير الشؤون الاجتماعية في ملتقى الجمعيات النسائية في المملكة العربية السعودية الذي نظمته جمعية الملك عبدالعزيز النسائية الخيرية...
في القصيم بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية التي ألقيت يوم السبت 19-11-1430هـ.تجتمعن هذا اليوم وبرعاية من سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله- للتعاون على البر والتقوى، في مبادرة كريمة من جمعية الملك عبدالعزيز النسائية بالقصيم، بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية، وقد تناديتن لعقد ملتقى يضم الجمعيات النسائية الخيرية في المملكة.
إن ما يسعدني، أن نشعر نحن الرجال، بالفخر والاعتزاز بمساهمة المرأة السعودية الفاعلة والمؤثرة في الحقل الاجتماعي الخيري.
هذا الميدان الذي ولجته المرأة في بلادنا منذ زمن بعيد.. فقد تأسست أول جمعية خيرية نسائية عام (1382هـ) ثم تتالت بذرات الخير على أيديكنّ حتى وصلت الآن إلى (38) جمعية.
أخواتي..
لم تدخل المرأة السعودية هذا المجال الإنساني تقليداً لأحد، ولا بحثاً عن وجاهة، ولا لقضاء وقت الفراغ، وإنما نبع من إحساس عميق لديكنّ أن هذا الميدان ميدان طبيعي للمرأة، وأن ما يخصّ الأسرة والمرأة والطفل من شؤون وشجون هي الميادين الطبيعية لممارسة أدواركنّ الفاعلة في المجتمع، وأنكنّ الأولى بها تخطيطاً وإشرافاً وممارسة.
والحمد لله أنكن لم تخيبنّ الظن، إذ يكفي نظرة عابرة على التقارير السنوية التي تصدرها الجمعيات النسوية لنعلم حجم المساهمة، وعمق الأثر، وإيجابية الفعل.. كيف لا؟ وأنتنّ بنات هذه الديار المباركة، تمتلئ نفوسكنّ وطنية، ويسكنكن حُب الخير، وفعل الإحسان، والتسابق في العطاء والإيثار، وتترسمنّ بفعلكن هذا النماذج التاريخية المشرقة في تاريخنا الإسلامي والعربي والمحلي، وتمارسن أدواركن الفاعلة بروح إسلامية، وغيرةٍ عربية، ونكهة سعودية.
والدولة - أعزها الله- بقيادة سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وعضده سمو ولي العهد، ومؤازرة سمو النائب الثاني، وهي ترى في المرأة السعودية الجدارة والحشمة والثقة لم تتوان عن دعم هذه الجمعيات بالترخيص لها، وتقديم الدعم المادي والمعنوي، وتذليل جميع ما يعترض مسارها لتُقدِّم الأنموذج الحضاري، والمثال المشرّف للمرأة السعودية في هذا المجال شريكة مع أخيها الرجل، لا مزاحمة له.
من أجل هذا وتزكية للدور الرديف لجهود الدولة فإن الجمعيات النسائية الخيرية تتلقى دعماً سنوياً من الدولة عبر وزارة الشؤون الاجتماعية، وقد بلغت المساعدات في ميزانية 1429هـ (اثنين وأربعين مليوناً وثلاثمائة وعشرين ألف ريال).
واسمحوا لي أن أتوجّه لكنّ أنتنّ العاملات في الميدان الاجتماعي الخيري لأقول: المجتمع بحاجة لكُنّ أكثر من أي وقت مضى.. فليس بخافٍ ما جدَّ على مجتمعنا من مشكلات ومسائل وقضايا، خاصة فيما يتعلق بشؤون الأسرة، واحتياجات المرأة، ومتطلبات الطفل.. وأخص الشرائح المحتاجة للرعاية والمساندة والمساعدة، كالأرملة واليتيمة والفقيرة والمعاقة والمسنّة والمطلَّقة والمهجورة والمعنفة والمسجونة، وقليلة الحظ من التعليم والتدريب والتأهيل.
إنني أتمنى عليكن من هذا المنبر أن يكون هذا الملتقى فرصة للمراجعة والدرس، وداعياً للتأمل والتحليل لواقع العمل الاجتماعي النسوي الخيري في بلادنا، ومحضناً لتوليد الأفكار الخلاقة، ومنبراً لإطلاق المبادرات العملية التي تُفضي إلى نقلة نوعية في ممارسة العمل الاجتماعي، وبرامجه ونشاطاته، وآليات عمله.
وأصدقكن القول، وبكل شفافية أنه لم يعد كافياً منا، نحن الرجال، ولا منكنَّ أيتها الأخوات أن نركن إلى أسلوب المساعدات المباشرة كأسلوب وحيد في ممارسة العمل الاجتماعي الخيري.. علينا أن نستشعر الأثر السلبي لهذه الممارسة في إشاعة ثقافة الهبات، ونشر أحاسيس التواكل، وتدعيم نزعات الكسل، وتعزيز مشاعر الاستجداء، واستحضار ذهنية الاعتماد المستمر على مساعدات الجمعيات النقدية.
نعم هناك حالات تستحق المساعدات المباشرة لغير القابلات للتأهيل، ولا مشاحة في ذلك، والضمان الاجتماعي يدفع (مليار ريال شهرياً) لهذه الحالات، لكن الشريحة غير القابلة للتأهيل محدودة في مجتمعنا مقارنة بالشرائح القابلة للتأهيل، والتي تتطلب أسلوباً آخر غير المساعدة النقدية في ممارسة العمل الخيري.
وللأسف أننا ضيقنا واسعاً في نظرتنا للعمل الاجتماعي الخيري، وقصرناه وحصرناه في مجال واحد وهو الأعطيات المباشرة.. مع أن ديننا الإسلامي الحنيف يُعلي من قيمة العمل والتعليم والتدريب، ومساعدة الناس كي يساعدوا أنفسهم، وأن اليد العُليا خير من اليد السفلى، والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف.
ومن هنا، فإنني أدعوكن أخواتي العاملات في المجال الخيري النسوي أن تُعدنَ النظر في برامجكن، وتقيّمنها، وتقوّمنها نحو الأفضل.. ساعدوا النساء كي يساعدن أنفسهن، وخذن بأيديهن، وبدلا من أن يكنّ متلقيات للزكاة والصدقة اجعلوهنّ دافعات لها، عبر برامج (التاءات الخمس): التأهيل والتدريب والتعليم والتشغيل والتوجيه.. أطلقن برامج الإرشاد الأسري، وترشيد ميزانية الأسرة، وتطوير الذات، وتنمية القدرات، والأسر المنتجة، والمشروعات الفردية، والقروض الصغيرة، والعمل عن بُعد، والعمل من المنزل، وأهّلن -عبر التدريب- الفتيات المحتاجات من المطلقات والمهجورات والأرامل والفقيرات وفاقدات العائل ودربوهنّ، وارشدوهنّ بالتوعية المباشرة وغير المباشرة، والحِقوهنّ بالدورات التدريبية الضرورية، واجعلن الالتحاق بهذه الدورات شرطاً من شروط تقديم المساعدة، حفزاً لهنّ على الالتحاق في برامج التأهيل.
أخواتي الكريمات...
إن الهشاشة التي تعاني منها بعض الأسر السعودية نتيجة غياب العائل، أو فقدان الزوج، أو هجره، أو سجنه، أو إعاقته، أو هرمه مردّه الأساس هو أن المرأة في هذه الحالات ليس لديها المهارة أو الإعداد أو الاستعداد لمواجهة مثل هذه الظروف الصعبة، فتصبح -للأسف- ضحية دائمة لها، وأسيرة لها، وبالتالي تتحول إلى (زبون) دائم على أبواب الجمعيات الخيرية.. وكما تعلمون - أخواتي- لدينا الآن - ولله الحمد- مؤسسات إقراضية تقدّم القروض الاجتماعية بالمليارات مثل: بنك التسليف والادخار، وصندوق الموارد البشرية، والصندوق الخيري الاجتماعي، وصندوق المئوية، وغيرها من الصناديق، وكذلك برامج أمراء المناطق للتدريب، ولدينا جامعات، ومراكز تدريب، ودور خبرة، تستطيع الجمعيات الخيرية النسوية الاستفادة منها لإطلاق برامجها التأهيلية للمرأة السعودية المحتاجة.
أخواتي..
إنني أتمنى أن يكون مقياس النجاح في الجمعيات النسائية ليس في حجم المساعدات المادية التي تقدم، أو عدد الحالات التي تتردد على فروع الجمعيات، بل ينبغي أن يكون مقياس النجاح الحقيقي هو في عدد الحالات التي (استغنت) سنوياً عن الجمعيات النسائية عبر البرامج التأهيلية والتدريبية والتشغيلية، وكذلك عدد اللاتي تحولن من متلقيات للزكاة إلى دافعات لها.. هذا هو المقياس السليم للنجاح، والمؤشر الصادق على التنمية المستدامة، والدليل الواضح على تبني التوجهات المعاصرة في الرعاية الاجتماعية للمرأة المحتاجة، والوزارة من جانبها سوف تدعم كل توجه في هذا الجانب، وعلى قدر ما تستطيع.
أخواتي...
إن ما يدفعني للتفاؤل هو أنكنّ قد اخترتنّ لهذا الملتقى شعار (من الإغاثة إلى التأهيل)، وأملي أن يتحول هذا الشعار إلى شعور ثم إلى ممارسة.. دعونا نجرّب.. ومن سار على الدرب وصل.
طاب يومكنّ، وطاب عملكنّ، وطاب لقاؤكنّ.