ليس خافياً موعد الانتخابات البرلمانية التي ستجري في العراق، هذه الانتخابات التي يجمع كلّ متابعي الملف العراقي أنها ستغيِّر كثيراً من المشهد السياسي، وأنها ستحمل وجوهاً جديدة للبرلمان العراقي وتبعد وجوهاً أحضرتها مرحلة الخصخصة والتنابز الطائفي الذي غذّاه الاحتلال، واستثمرته الأحزاب والجماعات الطائفية التي تفشّت في العراق أثناء فترة الاحتلال، ودخلت إلى الأراضي العراقية تحت عباءة الاحتلال، وخاصة تلك التنظيمات الطائفية العسكرية التي أقامتها إيران إبان حربها مع العراق، من الذين أُبعدوا من العراق والذين كانوا من أصول إيرانية.. هذه الانتخابات التي أشعلت الحراك السياسي في العراق قبل بدء الانتخابات، وخاصة بين الأحزاب الشيعية التي تُوجَّه من طهران، وهذا ما أزعج نظام ولاية الفقيه في إيران الذي أخذ يستشعر خطر ضعف هيمنته وسيطرته على القرار السياسي العراقي، خاصة بعد تخلِّي عدد من الشخصيات السياسية الشيعية المؤثّرة عن الأحزاب ذات الارتباط بالمؤسّسات السياسية والمرجعيّات الطائفية، كوزير الداخلية جواد البولاني والنائب أياد جمال الدين الذي وإنْ كان غير منضم للأحزاب الطائفية، إلاّ أنه يرفع في هذه الانتخابات شعار (لا للتدخلات الإيرانية في القرار العراقي، وخطٌّ أحمر للتوسُّع الكردي).
والذي أزعج القابعين في طهران أكثر من هذا، هو التنافس والخلاف بين الحزبين الطائفيين الرئيسيين اللذين كانا مرتكزيْ التوجيه الإيراني والسيطرة في العراق، ونعني بهما حزب عمار الحكيم (الثورة الإسلامية) وحزب نوري المالكي (الدعوة)، وقد تفاقمت هذه الخلافات بعد اشتراطات نوري المالكي رئيس الحكومة مستقوياً بالنجاحات التي حققها (ائتلافه الانتخابي) (دولة القانون) في الانتخابات المحلية، إذ وضع المالكي شروطاً لبقائه في الائتلاف الشيعي، وهي شروط تسلب عمار الحكيم وحزبه من قيادة الائتلاف، وتنصِّب المالكي زعيماً سياسياً للشيعة العراقيين، وهذا ما جعل جماعة الحكيم ومن يلتفُّون حوله من قادة منظمة بدر والمستشارين السياسيين الذي جلّّهم من أصول إيرانية يرفضون شروط المالكي، مما دفع المالكي إلى تعزيز ائتلافه الانتخابي بالمجاميع الانتخابية التي ساعدته على تحقيق النجاحات في الانتخابات المحلية بالمحافظات، إضافة إلى تنظيمات الصّحوة وبعض الأحزاب الصغيرة، بالإضافة إلى قواعد حزبه، حزب الدعوة، وهو ما يشكِّل قوة انتخابية تهدِّد جدِّياً ائتلاف عمار الحكيم (الائتلاف الوطني)، إضافة إلى أنه سيشتِّت ويضعف التمثيل الشيعي وخاصة المرتبط بطهران، وهذا ما دفع نظام وليّ الفقيه إلى إرسال رئيس البرلمان الإيراني علي لارجاني إلى بغداد، في خطوة ترى فيها الدوائر السياسية الإقليمية خطوة غير مسبوقة، وأنها غير حصيفة دبلوماسياً، لأنه ليس مقبولاً إرسال مسؤول كبير إلى بلد يستعد لإجراء انتخابات برلمانية، وهو ما أقدم عليه رئيس البرلمان الإيراني الذي كانت زيارته هدفها التأثير على هذه الانتخابات، وفعلاً عقد عدّة لقاءات مع الشخصيات التي تتبع للسياسة الإيرانية في العراق، ونجح في عقد لقاء استمر عدّة ساعات ضمّ إلى جانبه عمار الحكيم ونوري المالكي، وقد أسفر هذا الاجتماع عن إعادة المياه إلى مجاريها، وقَبِلَ نوري المالكي، وبضغط من علي لارجاني، العودة إلى الائتلاف الشيعي مسقطاً شروطه السابقة حسب (أوامر طهران) التي هدّدت بسحب منصب رئاسة الحكومة من نوري المالكي إنْ لم يَعُد لحظيرة الائتلاف الشيعي، حتى وإنْ حقق هو وقائمته الانتخابية الفوز...!!