قبل نحو سنتين أقر مجلس الشورى مشروع نظام الجمعيات والمؤسسات الأهلية المقترح من قبل لجنة خاصة في المجلس، بعد رفضه مشروع سابق نتيجة وجود ثغرات كبيرة فيه. وقد تم رفع هذا المشروع الجديد إلى مجلس الوزراء للبت فيه، ولا زلنا ننتظر .....
....صدوره منذ ذلك الوقت..
لقد طال انتظار هذا المشروع.. سنتان من الانتظار وقبلها نفس المدة لمناقشة مشروع سابق؟ لماذا؟ هل تستلزم العمليات البيروقراطية كل هذا الوقت؟ هل ثمة بنود لا زالت تحت النقاش مرة أخرى، بعد كل النقاشات المستفيضة في مجلس الشورى وفي الإعلام والتي تجاوزت أربعة أعوام؟ هل ثمة تعديل أو عدول عن هذا المشروع أم أن المشروع على وشك الصدور؟ الإجابة منتظرة من وزارة الشؤون الاجتماعية التي عودتنا على الشفافية..
هل نحن بحاجة لوزارة متابعة؟ تتابع الأنظمة الجديدة التي ستصدر لماذا لم تصدر؟ وتتابع الأنظمة التي صدرت لماذا لم تطبق؟ وتتابع التي طبقت ولكن على طريقة النظام القديم لماذا لم تطبق على طريقة النظام الجديد؟
كلما قابلت ناشطين اجتماعيين من الذين نسمع عن أفكار أو نوايا لشروعهم في تأسيس جمعية أهلية تطوعية كحماية الأسرة أو الجمعيات الثقافية والمهنية والحقوقية، أسألهم عن هذه المشاريع؟ تكون الإجابة المتكررة: إننا ننتظر صدور النظام الجديد للجمعيات والمؤسسات الأهلية.. وبعضهم يذكر أن المسؤولين طلبوا منهم التريث حتى صدور هذا النظام.. وبعض الذين انتظروا يأسوا، وصرفوا النظر..
فكثير من الهيئات والمؤسسات الأهلية الموجودة أو المنتظرة تحتاج لنظام مؤسسي واضح ومتطور يكفلها مشروع النظام الجديد الذي يتصف بالشمولية للجمعيات الأهلية ومؤسسات المجتمع المدني، وسيشكل قاعدة تنظيمية ومرجعية لعمل المؤسسات المدنية للمرحلة القادمة، ويمكن اعتباره نقلة نوعية وتاريخية في أداء العمل المؤسسي المدني وتنظيم الجماعات. وهذا النظام الجديد سيأتي بديلا عن النظام الحالي الذي يخص فقط الجمعيات الأهلية والخيرية والذي أصبح قديماً ولا يناسب مرحلتنا الحالية. فالنظام الحالي لم يعد قادراً على التعامل مع كثير من المؤسسات المدنية التي تم إنشاؤها بموافقات أو أوامر سامية كالجمعية الوطنية لحقوق الإنسان وهيئة الصحفيين.
وأهم المستجدات في هذا المشروع هي التمييز بين الجمعيات والمؤسسات الأهلية، وإعطائها المزيد من الاستقلالية والمرونة عبر حقها في فتح فروع وفي إنشاء اتحادات بينها.. مع الاستمرار على الرقابة المالية للجمعيات، وهذا أمر إيجابي مطلوب. والنظام المنتظر يقر إنشاء اتحادات، مما يعني إمكانية إنشاء مؤسسات أهلية ومدنية من نوع جديد سواء كانت اجتماعية أو ثقافية أوعمالية أو وظيفية أو طلابية، على نمط هيئة الصحفيين، مثل: المدرسين، الأطباء، الزراعيين، المهندسين، الصيادلة، والكتاب والأدباء والفنانين. كما أنه يدعم تطوير الجمعيات الموجودة التي يعاني كثير منها ضعفاً وعدم فعالية كالجمعيات الأهلية والعلمية والخيرية..
لقد حدث خلال العقدين الأخيرين تبدل جذري في العالم كله تضمن العلاقة بين الدولة والعمل المدني. وفي بلادنا حدثت تبدلات اجتماعية واقتصادية هائلة، وتضخمت المدن وتعقدت الأنماط المعيشية ولم نعد كما كانا مجتمعات بسيطة، وأصبح للقطاع الخاص والأهلي دوراً مهماً في التنمية والاقتصاد الوطني، وصاحب ذلك تمدد في الطبقة المتوسطة التي تعد الركيزة الأساسية للمجتمع المدني، ولم تعد الدولة وحدها مطالبة برعاية كافة احتياجات المواطنيين.. ومن ثم تولدت الحاجة إلى أن يبادر القطاع الأهلي، وبتشجيع من الدولة في حالات عديدة، إلى تلبية بعض هذه الاحتياجات وما قد يرتبط معها من تمكين القطاع الأهلي من القيام ببعض الأدوار الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تقوم بها الدولة..
ولقد عملت مشاريع الإصلاح التي يقودها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، على تهيئة البيئة المناسبة لمؤسسات المجتمع المدني، ويدخل في هذا السياق الهيئات الحكومية شبه المستقلة مثل هيئة حقوق الإنسان ومركز الحوار الوطني والمجالس البلدية والجامعات الأهلية والأندية الأدبية والقنوات الإعلامية، ومثل إصلاح القضاء ودعم استقلاليته، والمشاريع الاقتصادية الضخمة وتفعيل المؤسسات الاقتصادية المستقلة كغرف التجارة والصناعة.. كلها أنماط مدنية حكومية أو شبه حكومية أو مستقلة تدعم بوادر حركة مجتمع مدني حديث.
ومن وجهة نظري فإن من أهم معوقات نماء مؤسسات المجتمع المدني هو الافتقار للجوانب النظامية والتشريعية، لأنه لا يوجد نظام يشرع إنشاء المؤسسات المدنية الجديدة خاصة ذات الصبغة النقابية؛ فالموجود لا يتطرق إلا إلى الجمعيات الخيرية وهي جزء يسير من مؤسسات المجتمع المدني المفترضة.. ومع أنه لا يوجد نظام يمنع إنشاء المؤسسات المدنية التطوعية (وليس الخيرية فقط) إلا أن النشطاء الاجتماعيين لن ينجذبوا للمشاركة في إنشاء مثل تلك المؤسسات طلما لا يوجد نظام واضح يشرعها.. لكن مع النظام الجديد المتوقع صدوره سيخف هذا الموقف السلبي.
وبالتطرق لمعوقات تطور المجتمع المدني، فإن من المعوقات مسالة تفسير الأنظمة واللوائح التي تحكم عمل تلك المؤسسات فهناك تفسيرات متشددة تعيق حركة وفعالية هذه المؤسسات، ونحن نحتاج إلى تفسيرات مرنة ومنفتحة تناسب المرحلة الحالية وتمنح المؤسسات مزيداً من الفاعلية. فالأنظمة والقوانين بحد ذاتها أمر مهم للغاية وتشكل الركيزة الأساسية للعمل، لكن إذا فُسرت على طريقة الشعار البيروقراطي: (امنع تسلم) فستفقد كثيراً من غاياتها..
تطور الجانب النظامي التشريعي سيحسن من الأداء التطبيقي للجمعيات ويرفع من مهنية الناشطين الاجتماعيين وكفاءة العمل التطوعي، الذي يشكو ضعفاً في مجتمعنا التقليدي سواء من ناحية الفلسفة ورسم السياسات والاستراتيجيات وبرامج التنفيذ، أو من ناحية التطبيق والتواصل مع أفراد المجتمع. فالواقع الحالي لمؤسسات المجتمع المدني في السعودية، يمكن النظر إليه على ثلاث مستويات: الأول هو مستوى الرؤية وتوجه القيادة الداعم والنخب والدعوات الإصلاحية في الإعلام لتشجيع إنشاء مؤسسات المجتمع المدني والتوعية في ذلك؛ الثاني مستوى التشريعات، والذي سيكون متطوراً بصدور النظام الجديد؛ الثالث وهو المعيار الوظيفي أو التطبيق على أرض الواقع، والذي يظهر متواضعاً أمام المفترض، سواءً من ناحية العدد أو النوعية أو الإدارة أو النضج المؤسسي والتنظيمي اجتماعياً وثقافيا. كل ذلك من المأمول أن يبدأ في التحسن مع ظهور النظام الجديد..
إذا وضعنا قيم الشفافية أمام قيم البيروقراطية المركزية سنجد أن الأولى ترفع حس المسؤولية لدى المواطن واندماجه في المشاركة بالقرار، فضلاً عن إيجابياتها الأساسية في توضيح الوقائع.. ولأن من أهم أهداف مشروع النظام القادم كما جاء نصاً في مادته الثانية هو (تمكين المواطن وتعزيز مشاركته في إدارة المجتمع وتطويره)، يغدو من المُلِحّ أن نسأل عن مصير هذا المشروع، ومن المهم أن نتوقع الإجابة، فلقد طال الانتظار يا وزارة الشؤون الاجتماعية..
alhebib@yahoo.com