Al Jazirah NewsPaper Monday  09/11/2009 G Issue 13556
الأثنين 21 ذو القعدة 1430   العدد  13556

الشيخ عبدالرحمن بن سعدي والتعليم الشرعي الأهلي (1)
د. عبدالله الصالح العثيمين

 

توطئة: هذا العنوان هو عنوان ورقة قدَّمها كاتب هذه السطور في مؤتمر رابطة علماء الشريعة في دول مجلس التعاون الخليجي، الذي انعقد في البحرين مؤخراً تحت اسم التعليم الشرعي الحكومي والأهلي، وكان من قدَّمني في الجلسة

التي ألقيت فيها الورقة، قد اجتهد -جزاه الله خيراً - وقال في تقديمه لي: فضيلة الشيخ. فعلقت على ذلك بالقول - بعد شكره - إنني أرى أن وصف امرئ بكلمة (فضيلة) ينبغي عدم إطلاقه إلا على من قدمه راسخة في العلم الشرعي، ونصيبي من هذا العلم الجليل قليل جداً، أما وصفي بالشيخ فإنه ليس لي من مدل الكلمة إلا ذلك الذي ورد في بيت شعري مشهور قيل فيه: (إنما الشيخ مَنْ يدبُّ دبيبا).

ومن المشاهد أنه منذ عقود وبلادنا - حماها الله من كل مكروه - يموج في ساحتها تياران واضحان، أحدهما تيار يسمِّيه البعض حداثياً، ومن المحسوبين على هذا التيار من لا يدرك أبعاد مضمون الحداثة، التي من ركائزها - كما هو معلوم - عدم الإيمان بشيء اسمه الثوابت بما في ذلك الثوابت الدينية الواردة في القرآن الكريم والسنة المطهرة.

ومن المعلوم لدى المهتمين أن العالم الغربي، الذي نشأت الحداثة في رحابه، المدرك لأبعاد مضمونها، قد تجاوزها إلى ما يسمى ما بعد الحداثة، وكنت قد أشرت إلى شيوع الحداثة في وطننا العزيز بأبيات من قصيدة عنوانها (يا هل الراي) قائلاً:

يا هَلْ الراي صا في الجو قَوَّض عجاجه

واختلط برَّها المشهور بالهيِّبانِ

من يلوم الحليم إلى تعكَّر مزاجه

دام جو المعرفة غاديٍ شقلباني

من حفظ كلمتين من كتابة خواجه

قال: أنا العالم اللِّي وخروا عن مكاني

ما تعرفونني يا راكبين الحداجه

ما لكم يا بدو وأفكار هذا الزمان؟

عالم الفكر ليل والحداثه سراجه

من تبعها لفى المارد بأمان وضمانِ

ذاك قوله ويلقى من يسهّل رواجه

بعض الأجواد فيها للغريب جنحانِ

بالمجلات ما تذخر بمدح انتهاجه

وبالجرايد تردِّد قيله الهذرواني

وإن حضر ندوة من حرصها لابتهاجه

قضَّبته الرسن بين العرب والعنانِ

والمرض لى حصل بالفكر وصفة علاجه

ما ورد في كتاب الله وسبع المثاني

أما التيار الثاني فماج فيه من تصدَّروا للفتوى الدينية وهم في الحقيقة ليسوا من أهلها؛ تأهيلاً شرعياً وسلوكاً أخلاقياً. وكنت قد أشرت إلى ذلك، أيضاً، في أبيات من قصيدة عنوانها: (يا رجاجيل المعرفة)، قائلاً:

يا جماعة جوِّنا قوَّض قتامه

والذياب اللِّي تغشلتنا مجيعه

والقلوب المخلصة ترجى السلامه

ربها الواقي من أسباب القطيعه

خبروني.. جيلنا الحاضر علامه

كثر فيه اللِّي تحلَّى بالخديعه

وصار ثوب الدين ما يعرف مقامه

يلبسه من هم مذاهبهم وسيعه

كل من كوَّر على راسه عمامه

قال: أنا المفتي وأنا قاضي الشريعه

من تعاريج الخليج إلى تهامه

ومن تبوك إلى سباريت الوديعه

قدت سلطان المعرفة في خزامه

لين صرت اعجوبة العالم جميعه

وإن نبشته ما لقيت إلا قدامه

يتمرَّغ بالجهل ثور النفيعه

هكذا - إذن - بدت لكاتب هذه السطور نماذج من تيارين واضحين في مجتمع هذا الوطن.. نماذج من تيار يتنكرون لبعض من ثوابت أمتهم، قلَّ أو كثر، وأصبحوا ينظرون إلى غالبية هذا المجتمع على أنها متخلفة ومتمسكة بما يسمُّونه ظلام القرون البالية، ونماذج من تيار غرَّتهم أنفسهم، وتظاهروا أمام الناس بما ليسوا مؤهلين به، فراحوا يطلقون الفتاوى جزافاً، وأحدثوا من البلبلة ما أحدثوا، وكلا الفريقين من التيارين المذكورين وبال على المجتمع ينبغي على ذوي الرأي الصائب والفَهْم السليم والإخلاص التام أن يسعوا إلى علاجه كلية أو التخفيف من غلواته في أقلِّ الأحوال.

وإلى اللقاء في حلقة قادمة إن شاء الله.


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد