لا يخفى على متابع تعدد التيارات الثقافية والمواقف السياسية في المجتمع المحلي، وقد تتفاوت الاتجاهات ضمن مسارات مقبولة، لكن ما يحدث يثبت أن الاختلاف قد يصل أحياناً إلى حد التصادم أو التضاد في المواقف المعلنة ضد القضايا الداخلية والخارجية، وقد يعني أننا إما وصلنا إلى وعي حضاري يسمح للمجتمع بمختلف فئاته أن يعمل من أجل مصالحه الفئوية مهما اختلفت اتجاهاته، أو أن ما يحدث يدخل ضمن صراع إعلامي وأجندات مختلفة تدخل ضمن حسابات قد تكون محصلتها النهائية سلبية، وتحمل تبعات غير صحية على المجتمع، ولا تؤسس لبناء وطني موحد، أي أنها غير منظمة وتحتاج إلى تقنين من أجل وضع سقف محدد أمام الرأي السياسي ومدى مخالفته وتضاده مع مصالح الوطن..
فعلى سبيل المثال لا يزال الاختلاف بين التيار السلفي والتيار الثقافي المحسوب على الليبرالية على أيهما يأتي أولاً الوطن أو الأمة، برغم من أن أولوية الوطن في حد ذاتها لا تتماشى مع الطرح الليبرالي الجديد،وتدخله في مسارات كونية لا تعترف بحدود الأوطان، كذلك يختلف العروبيون والوطنيون في الموقف من دائرة الأمن العربي، وهل لا زال صالحاًَ العمل به أم إنه قد تجاوزته المتغيرات الإقليمية، ولم يعد له تأثير على مناعة الوطن ضد الخارج، بل أصبح في نظر البعض العدو الذي يهدد الأمن الوطني..
في ظل هذه المواقف غير المتزنة والخالية من التنظيم السياسي، قد تدخل الفئات الأخرى في أيضاً العمل من خلال أجندة سياسية، وقد تخرج اتجاهات متعددة أخرى أكثر حدة،و تتقاتل إن صح التعبير إعلامياً ودعوياً من أجل مواقفها أو آرائها المتشددة والمتضادة، ولعل الموقف المتناقض من إسرائيل وإيران في غاية التعبير عن الوضع على صفحات العمل السياسي والثقافي والدعوي المحلية..
فبعض المثقفين يرى في إيران الثورة الدينية والتي آذنت بصعود تيارات الأصولية التي تؤسس لمزيد من الثورات الدينية في المنطقة، ولكن تكاد تخلوا مقالاتهم من أي إدانة لإسرائيل، القائمة على العنصرية والأيديولوجية الدينية،حول ما يحدث في فلسطين من اغتصاب للأرض واغتيال للسكان العرب، بينما يحشدون مواقفهم المشتدة عبر الإعلام الفضائي وفي مقالاتهم الصحفية من أجل التحريض ضد صراع الثورة الدينية في إيران، بل تجاوز الأمر إلى إعلان الحرب الإعلامية عليها، ومراقبة أوضاعها الاجتماعية والسياسية بالمجهر الإعلامي، وذلك من خلال تسليط الضوء على الانتخابات الأخيرة في صورة أزعجت السلطات الإيرانية الدينية مما أحدث ردة فعل معاكسة ضد المملكة، والذي ظهر بوضوح في إعلامهم الذي تم توجيهه بتسلط ضد السياسة السعودية، وأيضاً في خطب التحريض على التظاهر في الحج، ومساندة الحوثيين.. وغيرها من الأفعال التي قد تكون مدمرة لو حدث واندلعت بسببها حرب ثالثة في الخليج..
بينما لا يزال الإسلاميون يرون في إسرائيل العدو الأول، وأن إيران تُحسب على مرجعية الأمة وإن كانوا يختلفون معها في كثير من الأصول لكنهم يجدون في وجودها الأمل في إمكانية تثوير التيار السني، والذي عُرف في التاريخ بهدوئه وبابتعاده عن السياسة، وإذا كان موقف التحالف الغربي ضد إيران بسبب تأييدها للمقاومة في فلسطين، فإن هذا المواقف حسب رأي الإسلاميين من الأجدر أن يتم تأييده بدلاً من التحريض ضده..، وهو أيضاً موقف نابع من مواقف تاريخية للمملكة منذ قيام دولة إسرائيل على الأرض العربية..
وبغض النظر عن الموقف من قضية فلسطين، وعن ما يحدث داخل إيران من صراعات وعنف سياسي.! السؤال الذي يستحق أن نعيده ونقف عنده حسب وجهة نظري : لماذا نحاول إدخال وطننا في حروب إعلامية شرسة مع إيران التي تمر في طور تحولات سياسية متوقعة، وهل من مصلحة وطن في طور البناء والتنمية، وفي مراحل بناء الإنسان أن يكون أحد ضحايا حرب مدمرة إن حدثت بين الغرب وإيران، والحرب القامة إن بدأت ستكون مدمرة للبنى التحتية في الخليج، وسيكون خطر التلوث النووي في المياه كارثياً على شعوب المنطقة، بعد أن تم اكتشاف مواقع للإشعاع النووي في شمال شرق البلاد، لذلك لا افهم حماسة بعض الإعلاميين ومجاراتهم لأجندة برنامج الإعلام الأمريكي الموجه ضد إيران، فالدفع في اتجاه تأييد الحل الغربي في المواجهة العسكرية، سيأتي بالويلات على المنطقة، وستحدث الكارثة..، ليس فقط في إثارة النعرات الطائفية، ولكن الخطر هو تلوث المياه، وهو ما قد يقود إلى أسوأ الكوارث البيئية في منطقة الخليج العربي..
من المفترض أن يدخل التحدي الحقيقي مع إيران كما هو الحال مع بقية دول المنطقة في سباق التنمية وفي تطوير القدرات البشرية، وإذا كانت إيران تبحث عن الحلول السلمية باستخدام الوقود النووي، فلماذا لا يساعد الغرب دول الخليج العربي في الحصول على تقنية الاستخدام السلمي النووي، وهو ما سيقلل من استنزاف النفط في إنتاج الطاقة..لكن أن يجبرنا الغرب على الدخول في حرب خليجية ثالثة، هو عين الخطر، فالغزاة الأمريكيون سيذهبون يوماًَ ما، وسيظل الجيران يجترون ألم ذكريات الحروب والكراهية والانتقام كما حدث في حروب الخليج السابقة..