احتل عمل المرأة خارج المنزل اهتماماً كبيراً؛ فعقدت لأجله المؤتمرات والندوات على المستوى الدولي، لمناقشة المشكلات التي تواجه المرأة عند مساهمتها في تنمية المجتمع، وكيفية تطوير نفسها في المجالات الثقافية والعلمية والاجتماعية، وزيادة إدراكها لدورها في التنمية، وإتاحة الفرصة لها بالاعتماد على نفسها وإعالة أسرتها بكرامة.
إلا أن الملاحظ في الوظائف المخصصة للمرأة أنها أخذت اتجاهاً غير صحيح يحمل الظلم في جوانبه، بما يوحي بأننا إزاء نظام خاطئ في التوظيف، حيث أصبح الحصول على الشهادة المناسبة وتوافر الكفاءة غير كاف، بل دخلت المحسوبية طرفاً ثالثاً كأحد المعايير المهمة للتوظيف، وليس الحاجة الفعلية إلى المرأة. وصار من غير المستغرب استناد معظم موظفات إدارة نسائية على أشخاص متنفذين! مع انعدام الإنتاجية ونشوء صراعات مريرة تعطل العمل. وتقف الإدارة عاجزة عن تحريك قطع الطوب خشية من تساقط البناء كله؛ فتضطر إلى تركه على (طمام المرحوم) وتُستبعد المحتاجة بالفعل للوظيفة!
وإن المرء ليأسى لحصول فتيات وسيدات على وظائف جاهزة على الرغم من وجود عائل مقتدر، بينما تحرم المحتاجة إلى الوظيفة بحجة عدم وجود شاغر.
وهذا يستلزم تبني مشروع ضخم فكرته (الوظيفة للمرأة المحتاجة) باعتبار أن المرأة عامة غير مطالبة بالنفقة بوجود عائل. وعلى الدولة توفير الوظائف الكافية للرجال وقصر التوظيف على المحتاجات بعد تأهيلهن ليتم التوازن بين أفراد المجتمع. وهو غير عسير إطلاقاً إذا صلحت النوايا وانتفت الأنانية ونشر الوعي بين الناس، وتضوع بينهم الشعور بالمسؤولية الاجتماعية. وإن لم يكن ستقتل الفوارق الاجتماعية نهضة المجتمعات المتعاونة.
وأذكر حادثة لزميلتين بعد تخرجهما من الجامعة لم تحصلا على وظيفة؛ فتزوجتا وأنجبت إحداهما ثلاثة أطفال وتوفي زوجها، وبحثت عن وظيفة فلم تجد برغم تفوقها الدراسي. بينما زميلتها الأخرى هيأ لها زوجها رجل الأعمال وظيفة في مدرسة. ووجدت الأولى عملاً مهنياً في إحدى المدارس، تمسح مكاتب الموظفات وتجهز قهوتهن لقاء ثمانمائة ريال شهرياً. وقد وافقت لحاجتها الماسة إلى الإنفاق على أبنائها.
وفي أول يوم عمل قابلت زميلتها السابقة، وكان مطلوباً منها مسح مكتبها ضمن المكاتب المرصوصة. تألمتْ وتذكرت حين كانت تلك الزميلة تستعين بها في حل الواجبات، وعدا الوضع النفسي وفرق الراتب. أليست الأرملة أحق من الأخرى بالوظيفة الرسمية والتقدير الاجتماعي والاستقرار الوظيفي؟!
وإن المرء ليحار إزاء ذلك؛ لعلمه أن هناك من تبحث عن وظيفة لتسد احتياجاتها الضرورية! بينما هناك مَن ليست بحاجة ماسة إلى الوظيفة وإنما تعمل للوناسة وتبديد الوقت والتنعم بالأمن والهدوء والراحة! وإني لآمل من كل سيدة مقتدرة مادياً ترك المجال الوظيفي للمرأة صاحبة الحاجة وعدم مزاحمتها على رزقها، ويمكنها توجيه طاقتها وتحقيق ذاتها من خلال المناشط الخيرية؛ فهي مجال خصب للعطاء والمساهمة الفاعلة في المجتمع - بلا طمع -؛ كي لا يتحول الناس إلى سباع، ينهب القوي لقمة الضعيف ويستخدم نفوذه وسلطته لأخذ حقوق المحتاجين فعلاً.
وقليل من الموظفات من استطاعت حسم أمرها والتوصل لاتخاذ قرار الاستقالة أو التقاعد المبكر. وكثير منهن ما زالت ترفض الفكرة بإيعاز ممن حولها؛ فتؤجلها وتماطل فيها إلى أن يقتلها إدمان العمل.
rogaia143 @hotmail.Com
www.rogaia.net