Al Jazirah NewsPaper Saturday  07/11/2009 G Issue 13554
السبت 19 ذو القعدة 1430   العدد  13554
مبيناً أنّ النقد أمر مطلوب.. د. محمد العصيمي للجزيرة:
اتهام المصرفيين الإسلاميين بعدم التورّع والكذب على الناس فيه حق وباطل

 

الجزيرة - محمد بدير:

في الوقت الذي زادت فيه رقعة انتشار المصرفية الإسلامية عبر العالم، باعتبارها بديلاً مصرفياً آمناً ضد المخاطر التي تعرّض لها النظام المصرفي العالمي في ظل الأزمة المالية العالمية، ارتفعت مؤخراً الكثير من الأصوات التي توجه النقد للمصرفية الإسلامية، ولم تقتصر تلك الأصوات الناقدة على أعداء الإسلام، بل انطلقت بعض تلك الأصوات من داخل المجتمعات الإسلامية. وحول تلك الظاهرة التقت جريدة الجزيرة الدكتور محمد سعود العصيمي - أستاذ الاقتصاد الإسلامي المشارك بكلية الاقتصاد والعلوم الإدارية بجامعة الإمام، ومدير عام المجموعة الشرعية في أحد المصارف السعودية الذي لفت الانتباه إلى أنّ النقد والكلام الذي يقال عن المصارف الإسلامية، قد يكون نقداً هادفاً يريد للمسيرة المصرفية الإسلامية الخير والتوجيه إلى وضع أفضل، وبيان الأخطاء التي تقع فيها في مسيرتها. وهذا النوع لا شك مطلوب ومرحب به، بل لو دفعت الأموال الطائلة مقابل الحصول عليه لكان مبرراً جداً. وما المؤتمرات التي تقام، والدراسات التي تعمل، والأوقات التي تبذل في النقد الذاتي للمؤسسات المالية إلاّ من هذا الباب. والشخص الناضج والمؤسسة الناضجة تفرح بالنقد الهادف، بل إنّ قبول النقد الهادف علامة على النضج وعلى سلامة المقصد والنية عند العاملين. ولذا يجب ألاّ تضيق صدورنا به، بل هو ضمانة للسير على المنهج الصحيح. ويستوي في ذلك أن نسمع النقد من صديق ومحب للمصرفية الإسلامية أو من عدو. فالحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق بها، كما قال المصطفى عليه أفضل الصلاة وأتم السلام. فالنقد الهادف أنواع كثيرة، فمنها في منهج الفتاوى، ومنها في الجانب الرقابي، ومنها في جانب المنتجات، ومنها في جانب التيسير غير المنضبط، ومنها في عدم معرفة واقع العمل المصرفي بدقة كافية للحكم عليه، وغير ذلك. والحقيقة أنني ممن يحب هذا النقد، بل ويقوم به قدر المستطاع. وأرى أن التناصح بين الهيئات الشرعية والقائمين على المصرفية الإسلامية بعضهم البعض من أكثر ضمانات السير على الطريق الصحيح. وأعتقد أنّ أكثر الأمراض فتكاً في مجتمعاتنا أننا نتساكت على الخطأ، سواء في الجانب الاقتصادي أو غيره من الجوانب الحيوية للحياة. فلا بد أن نجعل النقد بيننا طبيعياً ومقبولاً، وأن نجعله الوقود الضروري للتقدم، ويجب ألا نتشنج منه، ولا نأنف منه.

وعن طريقة مواجهة الانتقادات الكاذبة قال د. العصيمي إن الله سبحانه وتعالى جعل في الكون سنّة عظيمة وهي (.... فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ ....). فلا خوف من النقد غير الهادف. نعم قد يشوش على الناس، وقد يقلب الحقائق، ولكن صدق النية وصحة العمل ضمانة كافية في نشر المنهج والعمل الصحيح. وقد يكون من المناسب بيان الحق من القائمين على المصرفية بالردود الهادئة البعيدة عن التعصب وبدون الإكثار من الردود، فالعمل هو المحك، وليس الكلام فقط. وهناك من العلماء الآن من يقوم بهذه المهمة خير قيام. ولست ممن يرى كثرة الردود والقيل والقال. بل التوازن مطلوب في كل الأمور.

ووصف د. العصيمي اتهام المصرفيين الإسلاميين بالكذب على الناس وعدم التورّع في الدخول في منتجات محرمة واللّبس على الناس واستخدام الهيئات الشرعية للوصول إلى سيولة الناس بدون حقيقة، بأنه كلام فيه حق وباطل، والمشكلة في التعميم. فلا شك أن المؤسسة المالية التي تقوم على الأسس الإسلامية وتجعل للهيئة الشرعية صلاحية مطلقة في النظر في المنتجات والرقابة الفاعلة عليها، وبحيث تكون هذه الهيئة الشرعية من أعضاء معروفين بالورع والعلم والمعرفة بطبيعة العمل البنكي، بالإضافة إلى الركيزة الأساسية وهي العلم الشرعي، فلا شك أن تلك المؤسسة لا يمكن أن يصدق عليها مثل ذلك الكلام. وحتى لو بدر منها هفوات، فهي هفوات لا ترقى لمثل ذلك النقد. ولكن هناك بنوك تجارية تجعل من العمل المصرفي الإسلامي تكأة للوصول إلى ودائع العملاء واستثماراتهم وهي لا تملك من تلك المؤهلات المذكورة شيئاً. فهل يعقل أن أصدق بنكاً يزعم أنه إسلامي وهو يخفي أغلب الجوانب الفنية عن الهيئة الشرعية في كثير من منتجاته؟ وهل أصدق بنكاً آخر يزعم أنه إسلامي، وهو فقط يقدم منتجات إسلامية في الفرع، وأما الخزينة التي تصب فيها كل السيولة تدار بطريقة تقليدية ربوية بحتة؟ وكيف أصدق بنكاً يقول إنه إسلامي وهو يقلب الدين على عملائه في أكثر منتجاته، بل وينص في أغلب اتفاقياته مع العملاء على غرامة تأخير تصل إلى 14% في حال تأخر العميل مع عدم إجازة ذلك من الهيئة الشرعية؟ وكيف أصدق أن البنك الفلاني إسلامي مع خلو البنك تماماً من الرقابة الشرعية، بل قد لا يكون للمجموعة الشرعية وجود في الهيكل التنظيمي للبنك؟ بل قد يرفض البنك تقديم أي عقد أو اتفاقية للعملاء أو للباحثين من الجامعات للنظر فيه!

وحول رؤيته حول إقبال البنوك العالمية على تطبيق المصرفية الإسلامية في تعاملاتها، ذكر د. العصيمي أن دخول البنوك العالمية في مسيرة نشر المصرفية الإسلامية والمنتجات الإسلامية لها آثار إيجابية كثيرة. ولكنها ككل شيء لا بد أن ينظر إليها بعمق أكثر. فلا يمكن أن أتصور أن يكون ذلك من قناعة شرعية!! فلا شك أن الدافع مادي بحت. بل كثير من المسلمين ركب موجة الأسلمة للبنوك التجارية بسبب البحث عن الربح المادي. ولا شك أن ذلك مطلب مشروع للمسلمين، ولكن يجب ألا نخلط الأوراق ونسوق ذلك على أنه قناعة بالمنهج الإسلامي من هؤلاء الغربيين. هناك مصالح مالية ضخمة جداً في تسويق المنتجات الإسلامية في الأسواق العالمية. ولكن، هل تقديمهم للمنتجات الإسلامية خال من العيوب والسلبيات؟ أقول بكل تجرد إن كثيراً من المؤسسات المالية العالمية العملاقة قد تهمها سمعتها كثيراً جداً في المنتجات المالية التقليدية، وقد يؤثر ذلك على تصنيفها، ولكن هل هذا هو الوضع في المنتجات الإسلامية؟ أعتقد أنه في ظل عدم وجود آلية دقيقة ومنضبطة ومقبولة عالمياً ومقرة من الجهات المالية للنظر والتدقيق في المنتجات وحقائقها، فلا سبيل للتأكد من صدق الدعوى. وقد رأيت في المنتجات المالية المقدمة من البنوك الغربية عجباً. وللأسف تجد مثل ذلك في كثير من المنتجات المقدمة من النوافذ الإسلامية. فبعضها مثلاً يقدم منتجاً للتحوط من تذبذب أسعار الأرباح بطريقة المرابحة، والتطبيق الحقيقي يبين أنه مبني على الخيارات التقليدية في السوق. ومثل هذا لا يفصح للعميل ولا للهيئة الشرعية عنه.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد