فرضت السوق الخليجية المشتركة على دول الخليج المواءمة بين أنظمتها الاقتصادية وتقليص الفوارق الجوهرية لمصلحة شراكتها الاقتصادية التي أصبحت الخيار الإستراتيجي الأوحد.
التكتل الخليجي لن يحظى بمزيدٍ من النجاح ما لم يدفع نحو الإندماج الكلي وإزالة كل معوقات التعاون الإقتصادي المشترك.
بعد إقرار السوق الخليجية المشتركة، وإنهاء جُل المُشكلات الجمركية، لم يبق أمام الدول الخليجية إلا إطلاق عملتها الموحدة، وإن استُثنيت الإمارات العربية المتحدة، وعُمان منها. فالعملة الخليجية قادرة، بإذن الله، على تحقيق مصلحة دول الخليج كافة، حتى الدول التي لم تنضم لها بعد، على أمل اللحاق بها مستقبلا. إطلاق عربة العملة الموحدة، وجعل الباب مفتوحا أمام الآخرين خير من الإبقاء عليها حبيسة أدراج مجلس التعاون الخليجي.
السوق المالية المشتركة ربما كانت أحد الأهداف المستقبلية لمجلس التعاون الخليجي، وهو هدف لن يقل في الأهمية عن الأهداف الرئيسة الأخرى. بل ربما كان أكثر أهمية لدى شريحة عريضة من مواطني المجلس. إطلاق العملة الموحدة سيعزز من قيام السوق المالية المشتركة. السماح للخليجيين بتناقل رؤوس الأموال، الإستثمار، التملك، وإنشاء الشركات بحرية في أيا من الدول الخليجية يساعد أيضا في إنشاء السوق المالية المشتركة، الربط بين الأسواق الخليجية، وإدراج الأسهم.
دول الخليج تجاوزت أكثر الخطوات صعوبة في سبيل إنجاح مشروع شراكاتها الإقتصادية ولم يتبقى لها إلا النذر اليسير من الأنظمة، والشكليات التي ربما أثرت سلبا في تحقيق إنسيابية تناقل رؤوس الأموال والاستثمارات بين أسواقها المالية.
ولعلي أركز هنا على العطل الرسمية، عطلة نهاية الأسبوع، وأوقات عمل الأسواق المالية.، وأثرها السلبي على إنسيابية حركة رؤوس الأموال والإستثمارات المالية.
ما زالت الأسواق المالية الخليجية تعمل بمعزل عن بعضها البعض ما يؤثر سلبا في أدائها وزخمها المالي، إضافة إلى التأثيرات السلبية التي تقع على رجال المال والأعمال نتيجة الفروقات في أيام العمل الأسبوعية وما ينتج عنها من خسائر فادحة في حال نقل الأموال بين المصارف الخليجية.
جميع الأسواق المالية الخليجية تعتمد الجمعة والسبت عطلة أسبوعية لها، عدا السعودية التي ما زالت تُغلق أسواقها يومي الخميس والجمعة، وبذلك يكون الفارق الحقيقي بين السوق المحلية والأسواق الخليجية ثلاثة أيام هي الخميس، الجمعة، والسبت. أما أوقات عمل الأسواق الخليجية فهي متفاوتة في مواعيد الإفتتاح، والإغلاق بصورة تفتقر إلى الحد الأدنى من التنسيق.
تعطيل المصارف الخليجية يومي الجمعة والسبت يفرض على المستثمر السعودي إنتظار خمسة أيام قبل إستلام أمواله المحولة إلى أي من دول الخليج. فالأموال المحولة من المصارف السعودية يوم الأربعاء عادة ما تكون مستحقة الدفع يوم الأحد، أو الأثنين، وهي مدة طويلة إذا ما قيست بموازين (تكلفة النقود). هناك إستحقاقات دفع خاصة ربما تختصر أيام التحويل إلى أقل من ذلك مع زيادة في التكلفة، إلا أن المصارف الخليجية في الغالب تعتمد مدد استحقاق محددة لدفع الحوالات المالية آخذة في إعتبارها فوارق عطلة نهاية الأسبوع. وعلى ارتباط بالحوالات وتناقلات الأموال بين دول الخليج فعمليات التداول في الأسواق المالية تتأثر سلبا بسبب بطء إنسيابية الأموال بين الأسواق الخليجية. كما أن الأسواق المالية الخليجية باتت تتأثر نفسيا ببعضها البعض، فتلحق الأسواق المُفتتحة يوم الأحد بأداء السوق السعودية، فيطغى التأثير النفسي على التأثير الأساسي في أداء تلك البورصات.
السوق السعودية ربما كانت أكثر المتضررين من بين الأسواق الخليجية بإرتباطها النفسي مع الأسواق العالمية. تفاعل السوق السعودية مع الأسواق الأمريكية أقرب إلى السلبية منه إلى الإيجابية، وإذا ما أضيف إلى ذلك فارق العطل الأسبوعية بينهم، يصبح الأمر أكثر سلبية مما يُعتقد. يبلغ الفارق الزمني بين السوق السعودية وتلك الأسواق أربعة أيام، وهي الخميس، الجمعة، السبت، والأحد. لم تستفد السوق السعودية المغلقة من تحسن أداء الأسواق الأمريكية اللافت يوم الخميس ما قبل الماضي وتسجيلها أفضل مكاسبها في ثلاثة أشهر، إلا أنها تأثرت سلبا بتراجع السوق الأمريكية ليوم الجمعة بسبب الإعلان عن إنخفاض إنفاق المستهلكين الأمريكيين لأول مرة في خمسة أشهر، مع تراجع ثقتهم بالإقتصاد؛ فمنيت السوق السعودية بخسارة قوية بلغت نسبتها 2.69% ما يعادل 173 نقطة، لأسباب خارجية لا علاقة لها بأساسيات السوق المحلية.
هناك فارق زمني بين الأسواق الخليجية من جهة والأسواق العالمية من جهة أخرى وهو ما فرض على غالبية السلطات المالية الخليجية تعديل عطلة نهاية الأسبوع لديها إلى الجمعة والسبت لتقليص الفارق، وهو ما لم تتخذه السلطات المالية السعودية ما زاد من الفوارق الزمنية بينها وبين الأسواق الخليجية من جهة والأسواق العالمية من جهة أخرى.
من الممكن القضاء نهائيا على الفروقات الزمنية بين أسواق ومصارف دول الخليج بتوحيد عطلة نهاية الأسبوع لتكون الجمعة والسبت في السعودية أسوة بباقي الدول الخليجية، إضافة إلى توحيد فترات التداول في الأسواق المالية الخليجية لتكن ما بين الساعة التاسعة صباحا والواحدة ظهرا، أو العاشرة والثانية ظهرا أو غير ذلك. تعديل ساعات عمل الأسواق يحتاج إلى أن يُقابل بتعديل لساعات عمل المصارف الخليجية آخذين في الإعتبار توحيد ساعات الإفتتاح، وتناسبها مع ساعات عمل الأسواق المالية الخليجية. أعتقد أن تغيير العطلة الأسبوعية في السعودية إلى الجمعة والسبت، ومطابقتها مع عطلة الأسواق الخليجية بات أمرا ملحا للقضاء على تباين أيام العمل الرسمية وسلبياتها المؤثرة، ولتقليل الفارق الزمني بين السوق السعودية، الخليجية، والأسواق العالمية الأخرى.
****
F.ALBUAINAIN@HOTMAIL.COM