تعد القارة السمراء ثاني أكبر القارات بعد آسيا، والأغنى بمواردها الطبيعية بمساحة تصل إلى 30 مليون كم مربع، وعدد سكانها يفوق مليار نسمة، بينما ترتفع فيها معدلات الفقر، في الوقت الذي تتبوأ فيه المرتبة الأولى من حيث نسبة النمو السكاني الذي يصل إلى 2.9 بالمائة.
وإلى الآن لم تستثمر هذه القارة بشكل كبير، إلا أن الدول الكبرى بدأت توليها اهتماما خاصا منذ زمن قريب؛ فالصين تعتبر أكبر المستثمرين فيها بمجالات الطاقة، بينما يبلغ حجم التبادل التجاري معها قرابة 110 مليارات دولار. وتحتوي إفريقيا على احتياطات ضخمة من النفط والمعادن؛ فبخلاف نيجيريا الأشهر بإنتاج النفط تحتل دول مثل غينيا وأنجولا مكانة متقدمة باحتياطاتها المكتشفة.
ففي خليج غينيا تقدر الاحتياطات بحدود 24 مليار برميل، بينما تسيطر دول فيها على أغلب إنتاج الماس بالعالم.
أما في مجال الزراعة فالقارة هي الأغنى بمواردها المائية وتربتها الخصبة وتربية المواشي.. وقد بدأت تشكِّل دول القارة أهمية كبرى للاستثمار بشتى المجالات، فلو تم إحياء أراضيها البكر لاكتفى العالم من المواد الغذائية الرئيسية، وكذلك من إنتاج اللحوم، إلا أن عدم استقرار أغلب الدول سياسيا هو ما عطَّل تطويرها وتدفق الاستثمار لها.
لكن الظروف اختلفت كثيرا الآن، وأصبحت العديد من الدول تحقق معدلات نمو متزايدة؛ نظرا إلى تحسُّن الأوضاع بها. ومع ارتفاع أسعار السلع الغذائية وغيرها عالميا تركَّز الاهتمام على إفريقيا حتى من دول الخليج التي لا تمتلك المناخ الملائم لإنتاج احتياجاتها من السلع الغذائية، خصوصا أن بعض الدول الكبرى بإنتاج الأرز والقمح وغيرهما فرضت حظرا على التصدير حتى تسيطر على الأسعار بأسواقها؛ ما ساهم في ارتفاع الأسعار بشكل كبير.
وخلال أيام قليلة قادمة يعقد الملتقى السعودي الشرق إفريقي لفتح باب مجالات التعاون الاقتصادي في اديس ابابا، وهذه الخطوة تشكِّل نقطة مهمة لتحرك الاستثمار السعودي سواء من الحكومة أو القطاع الخاص بتلك الدول في عدة مجالات، أهمها الزراعة. والتوجُّه للاستثمار بدول إفريقية يعتبر نقطة انطلاق جديدة ومهمة للاقتصاد السعودي وسيحقق مكاسب كبيرة على المديين المتوسط والبعيد من حيث تنويع مصادر الواردات للسوق السعودي واستثمار مثالي بمناطق لا تحتاج إلا للمال؛ فكل الظروف مهيأة لنجاح المشاريع عموما والزراعية خصوصا. وكون النقلة ستكون بملكيتك لتلك المشاريع فإن ذلك سيسهم بإيجاد الأمن الغذائي بخلاف العائد والمردود المادي على المستثمرين والاقتصاد المحلي؛
فكثير من الدول الأوروبية اشتهرت بمنتجات كالشوكولاته، بينما تستورد المادة الخام (الكاكاو) من إفريقيا؛ ما يعني أن الفرص ستكون مهيأة لقيام صناعات غذائية على منتجات قادمة من الدول المستثمر بها وبإمدادات لا تتأثر بأي سبب؛ فما زلنا نفتقر للمادة الخام في كثير من صناعاتنا باستثناء النفط والغاز؛ ما ساهم في رفع الأسعار محليا نتيجة تحكم بعض الدول بها.
إن السباق باتجاه إفريقيا سريع؛ فأغلب شركات الطاقة العالمية ثبتت أقدامها هناك، ونجد أن بتروناس الماليزية تشكل احتياطياتها من النفط الإفريقي قرابة 38 بالمائة، بينما تنشط شركات إنتاج الطاقة المتجددة وخصوصا من الشمس بشكل كبير بجمهوريات وسط إفريقيا؛ حيث تقوم تحالفات تقودها ألمانيا باستثمار 523 مليار دولار، سيعود بهذا المجال من إنتاج الطاقة بما يغطي 15 بالمائة من احتياج أوروبا، بينما تعكف شركات النفط الأمريكية على توسيع سيطرتها بإفريقيا؛ حيث إن استيراد النفط للسوق الأمريكي سيرتفع بأكثر من 20 إلى 30 بالمائة خلال عقد من الزمان.
إن كل هذا التركيز على إفريقيا القارة الخام سيجذب لها استثمارات بأرقام فلكية، وخلال فترة قياسية ستصل إلى تريليونات من الدولارات؛ ما سينعكس على تحسن دخل الفرد بها بشكل كبير؛ حيث ما زال أغلب سكانها يعيشون على متوسط دخل لا يتعدى دولارين؛ ما يعني أن نموا هائلا ينتظرها، وأن الاستثمار بها يكاد يكون مضمون الربح والنمو.
كل هذه المعطيات وغيرها تدفع دول الخليج للتفكير أكثر بالاتجاه نحو إفريقيا؛ لأن الانعكاس على الاستثمارات هناك سيحقق مزايا عديدة تفوق ما كانت تتمتع به الدول المتقدمة التي شاخت وأصبحت منبعاً للمخاطر؛ نتيجة الاتجاه لابتكار استثمار ورقي ضخم الأسواق وبدد أموالا طائلة وانعكس على العالم بأزمة مالية مرعبة نتيجة التركيز على توليد المال من أسواق المال وليس من الاقتصاد الحقيقي، فاندفاع الدول الكبرى نحو إفريقيا ليس فقط للسيطرة الاقتصادية عليها بل لتشغيل ماكينة اقتصادهم من جديد بعد أن تعطلت نتيجة التشبع لتتجه نحو السوق الأهم (إفريقيا).