Al Jazirah NewsPaper Saturday  07/11/2009 G Issue 13554
السبت 19 ذو القعدة 1430   العدد  13554
إدارة المستقبل
م. عمر الايداء

 

على غير ما اعتاد عليه البشر منذ أوجدهم الله تعالى على هذه الأرض، دارت عجلة التغيير في القرن العشرين بسرعة غير مألوفة، وتضاعفت هذه السرعة في القرن الواحد والعشرين، واشتدت المنافسة بين البشر في كثير من المجالات، بل أصبحت شرسة بصورة غير مسبوقة، حتى إن عالم المستقبليات المشهور (الفن توفلر) يصف طبيعة التغير في كتابه (صدمة المستقبل) بقوله: (إن التقنية قد عجلت كثيراً سرعة التغيير لدرجة أن البشر باتوا غير قادرين على التحكم في عالمهم، إذ بدأ العالم القديم الذي طالما ألفوا معالمه يتلاشى بسرعة كبيرة أمامهم، ولذا فقد أصبح التخطيط على المدى الطويل أمراً يزداد صعوبة بمرور الوقت)، قال توفلر ذلك في يوم لم يكن الكمبيوتر الشخصي قد ظهر للوجود، والذي كان له الدور الرئيس والكبير في القفزات الهائلة التي حدثت في مختلف الجوانب، الاقتصادية، والاجتماعية، والسياسة وغيرها.

وبالرغم مما قاله توفلر في صعوبة التخطيط على المدى الطويل، إلا أن التخطيط أمر لابد منه لضمان النجاح والمنافسة، إذ علينا أن ندرس المستقبل جيداً، وطبيعة الأسواق الجديدة المتوقعة، أنماط المستهلكين، اهتماماتهم، رغباتهم المتوقعة، ما الشركات الجديدة المتوقعة دخول السوق؟ نقاط القوة والضعف لديها، والفرص المحتملة مستقبلاً، وغيرها من الأمور المهم معرفتها إذا ما أردنا المنافسة والنجاح.

ومن قصص النجاح الجديرة بالوقوف عندها في استشراف المستقبل وإدارته، قصة نجاح شركة نوكيا الفنلندية التي بدأت عام 1865م كشركة متخصصة في تصنيع الأخشاب، ولكن يبدو أن الشركة اتخذت من التحدي وإدارة المستقبل شعارا أساسيا لها، فتحولت فيما بعد إلى امبراطورية كبيرة في صناعة الهواتف المتنقلة، وتوسعت في عام 1998م بنجاح في اتجاه عدد مختلف من الأسواق غير التقليدية حول العالم، نتيجة قدرتها على التكيف والتنبؤ بالمستقبل، وقد سئل رئيس الشركة عن سر تفوقها على المنافسين، فقال: السر هو السر، وكان يعني أن سر النجاح هو الثقافة السرية الداخلية التي تتميز بها الشركة والتي تدور أغلبها على قدرتها على التنبؤ وإدارة المستقبل، ويمكن استنتاج ذلك من قدرة الشركة على تغيير النشاط، إذ قررت الشركة بيع معظم عملياتها التجارية نتيجة تغير السوق ومتطلباته، وهذا ما تميزت به نوكيا، فعندما تتغير متطلبات السوق واحتياجاته يكون منتج نوكيا هو أول الحاضرين في الأسواق قبل أي منتج آخر، لأن نوكيا لا تتوقف عن دراسة السوق وتقصيه، بل تجاوزت ذلك بالعمل على استشراف المستقبل والتنبؤ به، ثم إدارته والتحكم فيه، وذلك بتوفير المنتج الجيد الذي يتوافق واحتياجات السوق بسرعة.

كما أثبت تاريخ نوكيا قدرتها على اقتحام الأسواق أسرع من منافسيها، ذلك لأنها تدرس الطرق التي يفكر بها العميل، وتحاول أن تتنبأ بذوقه، وبالتالي، تقوم بتوفير ما يناسبه من خلال شبكة نوكيا، التي تمكن المستهلكين وعملاء الشركة من المشاركة والتفاعل حوارياً مع موظفي نوكيا، ومشاركتهم بكل شيء من صميم منتجات الشركة إلى إضافة مميزات وفق رغباتهم.

إنه من الواجب على شركات الاتصالات وغيرها الاستفادة من تجربة شركة نوكيا وأسلوبها.

ومد جسور التواصل مع العملاء، ومشاركتهم مناسباتهم الوطنية والاجتماعية للتعرف على توجهاتهم عن قرب. ومواجهة التحديات والتطورات بتهيئة الشركات والمؤسسات لمجابهة ذلك، وفق عملية إدارية متكاملة، وبذلك يسهل التعامل مع التحديات المستقبلية، وتصبح إدارة المستقبل أمرا روتينيا بعيدا عن أي صعوبة.

alaidda@hotmail.Com



 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد