Al Jazirah NewsPaper Saturday  07/11/2009 G Issue 13554
السبت 19 ذو القعدة 1430   العدد  13554
هل تود أن تكون في جلد امرأة ولو ليوم واحد؟
د. فوزية البكر

 

كنت أقف أمام المحاسب لأرد له بعض قطع الملابس التي قمت بتجربتها في المنزل ليلة البارحة ولم يصلح منها شيء وها أنا أعيدها له. كنت مضطرة للذهاب للمنزل والعودة فقط لاستخدام غرفة القياس!! فكرت للحظة.. ياه كم هي الأشياء التي اعتدنا على القيام بها حتى نسينا كيف كانوا يقومون بها أصلا.. حياتنا سرقت في ظل التفاصيل الصغيرة الكثيرة التي تم إقحامنا فيها كنساء دون أن نعي..

غرف القياس اختفت من المتاجر.. نوافذ صغيرة فقط للحديث مع الخياطين، النقل التلفزيوني المغلق لتدريسنا في الجامعة، الحراس الغلاظ من الرجال بموصفات وعمر محدد أمام كل المنشآت الرسمية النسائية لضبط الدخول والخروج برسم الرجل عدا عن سيارات الهيئة التي تلتقط من تلتقط من الفتيات حسب تصنيفاتها للعباءة ولحجم الجلد الظاهر من المرأة في تلك اللحظة التي يقدر للمرأة فيها أن تخرج من عملها أو كليتها أو محلها التجاري، اللوحات الصريحة في محلات الحلاقة ومحلات الأشرطة ومحلات الفيديو وكل ماله علاقة بالمتعة أو الفكر لتمنع المرأة صراحة من الدخول، المطاعم التي تشبه محاكم التفتيش بحثا عن المحرم والتأكد منه.. عالم مرعب من الخوف والترقب والتشكيك تعيشه كل امرأة ولدت هنا أو حدث أن قدمت إلى هنا، ألبسونا جميعا أردية الذنب المسبق وبدأوا في ملاحقتنا ومحاسبة المجتمع كله حتى فقدنا قدرتنا على التمييز فيما هو حق وعدل وما هو جزء من التقاليد الظالمة الغير عادلة التي قامت جيوش الصحوة (الغفوة) خلال العشرين سنة الماضية بمأسستها في حياتنا ومدارسنا وجامعاتنا وأسواقنا ومستشفياتنا حتى بدا كأن الحياة يجب أن تكون ذلك وهي ليست كذلك.. حتى المساجد لم نعد نعرفها إلا في ظل تقاليد محددة وبملابس محددة وحتى المسجد الحرام تم تكييف علاقتنا به في ظل رؤيتهم فتم حجزنا في مناطق محدودة وبدأت النائمات الصاحيات من النساء داخل مساجدنا ومدارسنا ومؤسسات أعمالنا وقصور أفراحنا في تنفيذ سياسات الرجال التي كانت تعني وتدور على شيء واحد: المرأة مخلوق مختلف. مخلوق اقل في قدرته العقلية ومكانته الإنسانية واقل في القدرة على ضبط الذات وحماية النفس من المالك الرجل. وفي حين يمكن دائماً الاستعاضة عن التعبيرات القاسية وتحاشي استخدام الألفاظ ذات الدلالة على ا لعبودية والتملك و التي لفظتها الحضارات الإنسانية منذ قرون وكان آخر عهدنا بها نحن هنا في ستينات القرن الماضي. اقصد مع المنع الرسمي للعبودية في المملكة :لكن تم بذكاء اجتماعي نادر استبدالها من رجالات الصحوة بأشكال متطورة للأسر والعبودية المقننة والمؤسسة.. فاختفت الأغلال العلنية ولكن ظل الأسر والقيود الرسمية والأوراق التي تتطلبها أي خطوة تخطوها امرأة في عالم بشع من التفاصيل الدونية التي أتمنى على أي رجل أن يعيشها ولو للحظات ليعرف ما معنى أن يكون مستعبداً من قبل رجل يقوده ويتحكم في مصيره ودراسته وعمله وأطفاله ورزقه وأوراقه كيفما يشاء ويظل مصير المرأة مربوطاً بطيبة وشهامة هذا الرجل فأن حدث أن كان ذو خلق وشهامة فالمرأة محمية بذلك وأن حدث أن كان متعبا أو مريضاً أو ناقص العقل أو الخبرة فليس للمرأة من عزاء.

نحن اليوم نصحو ويجب أن نصحو فلم يعد العالم يتسع لعالمين: مالك ومملوك، قادر وعاجز، سيد وتابع، المملكة العربية السعودية وقعت على معاهدة السيداو والتي ترفض كل أشكال التمييز ضد المرأة وخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أعلن بالأمس بدأ الحملة الرسمية للتوعية بحقوق الإنسان والتي تدفع بهذا الحق لتناوله وتثبيت فلسفته في المؤسسات المختلفة من مدارس وجامعات وأماكن للعمل والترفيه. نحن النساء أمامكم أيها الرجال وأمامك أيها المجتمع الباحث عن الحقيقة ونحن أحق ما نكون بهذه الحقوق التي اقرها الإسلام لنا منذ أزمان طويلة وجاءت جيوش الصحوة لتنخر في عمق هذا المجتمع وتزيف وجودنا وحقيقة أدوارنا ولنعش في دوامة لم نرَ النور خلالها إلا منذ أمد قصير.

من الضروري لكل امرأة في موقعها ولكل رجل شريف في موقعه يؤمن بالحق الإنساني والديني لنا كنساء أن يتابع عن قرب كافة التفاصيل الصغيرة التي تتعامل مع المرأة من منظور دوني وتمتلئ بها جنبات حياتنا وأروقة عملنا لتصفعنا كل يوم في سلوكيات ذكورية مستمرة رغم مدنية المؤسسات وصراخ الصحف حول التقدم الهائل الذي حققته المرأة السعودية، لكن المعيشة ليوم واحد في جلد امرأة وتلقي تعسف الذكور العاملين في المؤسسات المقابلة سواء في قطاع التعليم أو المال أو التجارة سيوقظنا على كل هذه التفاصيل الدونية الصارخة. هذا التعسف الذكوري الذي نتحدث عنه ليس بالضرورة أن يكون مقصوداً من الرجل مثلما انه نتاج لسنوات طويلة من التهيئة الذهنية المريضة حول رؤية كل طرف للآخر والأدوار المتوقعة والقدرات التي أخلت برؤية الطرفين لبعضهما فجعلت الرجل يقولب المرأة ضمن تصنيفات ذهنية جاهزة تعتمد نقصان الحكمة ونقصان القدرة على ضبط النفس وجعلت المرأة تقولب هذا الرجل ككائن متميز عاقل قادر على اتخاذا القرار في ظل عجزها النفسي بحيث أعاقت هذه الرؤية المريضة المرأة نفسها عن التعرف على مكوناتها الحقيقية كانسان فعاشت في ظل فكرة القصور التي أنتجت كل هذه الأنفس النسائية المشوهة الغير قادرة على العمل بطبيعية ودون تصنيفات مسبقة.

من الضروري لكل من تعنيه السلامة الذهنية والعقلية لهذا الوطن تتبع كل هذه التفاصيل الدونية التي ترزح مؤسساتنا النسائية تحتها وتشريحها وإعلانها للملأ لمعرفة حجم تأثيرها على فرص التعليم والعمل والحياة للمرأة في مواقعها المختلفة وللبدء في التفكير في حجم الضرر النفسي والعقلي الذي حل بالمرأة من خلال حياة الظلال التي أعمتها هي نفسها وأعمت زميلها الرجل عن رؤية حقيقة الأشياء وحقيقة وجودها كانسان كامل غير منقوص يتمتع مثل باقي عباد الله بقابلية الخير والشر والمعرفة والجهل والصح والخطاء.

أن الضرر المدمر لهذه النظرة القاصرة للمرأة وتحويلها إلى نماذج سلوكية مقبولة ومشرعة ضمن طريقة عمل المؤسسات الاجتماعية لا يقع فقط على المرأة وحدها بل إن المجتمع كله يدفع اليوم ثمن عبودية هذه الأنثى التي تقوم بتصنيع الملاك والعبيد في مصنع الأسرة الساحر وتوزع الأدوار على أبناءها من الذكور وبناتها من الإناث كما تظن انه الحق وهي لا تدرك خطر مصانع إعادة الإنتاج التي أصبحت فيها هي السجين والسجان.

آن لنا أيتها النساء أن نصرخ خارج حدود هذا السجن الكبير وان نتشبث بهذه القيادة الواعية التي تسبق زمنها لتؤكد على الحق المتكافئ لأبناء هذا الوطن في أن يعيشوا كمواطنين يتمتعون بالأهلية الكاملة بغض النظر عن الجنس.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد