إذا كانت دول جنوب شرق آسيا قد أبدعت في تقليد الصناعة الغربية حتى أوشكت على منافستها لا بل وتطوير بعضها بأفضل من أصلها الغربي فإننا في الوطن العربي أيضاً أجدنا وبشكل مثير ومبهر تقليد ثقافة الترف والسلوكيات الغربية بما فيها طريقة لبس السراويل.
ليس معيباً التقليد واكتساب ثقافات الآخرين بفعل انفتاح المجتمعات الأممية على بعضها اليوم كلما كان في جوانبه الإيجابية، ولكن المؤسف والمؤلم حقاً أن تنحصر هذه العملية في جانب سلبي وغير منتج.
القاعدة تقول إن المهزوم في الغالب يقلد المنتصر ليتخلص من وطأة الهزيمة، لكن يبدو أننا أخطأنا في اختيار المسلك التقليدي فتركنا نظم العدل والمساواة وحرية الرأي والتعبير، واكتفينا بعناوين هذه النظم بدعوى إيماننا الوجداني العميق بسلامة قيمنا الأصيلة الغنية بهذه المثل الراقية والسامية وأخشي أن أقول إننا انخدعنا بالشكل أو العنوان ولم نهتم بالمضمون باعتباره تحصيلاً حاصلاً.
(بعض) من يوصفون بالمثقفين والمفكرين لدينا في الوطن العربي صاروا غير قادرين عن التخلص من دمج بعض الرؤى الفلسفية المادية لطرح نتاج ثقافتهم وفكرهم وحتى صار فيهم من انتمى إلى مناهج غربية فكرية أو ثقافية دون أن يدرك أنه بهذا تحول من شيء إلى شيء آخر ولم يعد مقلداً بل متغرب.
الملفت أيضاً إن (بعض) المحطات الفضائية العربية لم تعد تقلد الغرب وإنما صارت بالفعل غربية ولكن ناطقة بالعربية، وبالتالي تنتج لنا الانحلال الأخلاقي الغربي بالعربي الفصيح ثم تتبجح بأنها تسخر إمكانياتها لخدمة المجتمع العربي وتنمية وعيه.
وإذا كان (بعض) الذكور أظهروا نوعاً من الكياسة أكثر من الإناث في صرعات التقليد الغربية إلا إنهم أي الذكور ربما كانوا أكثر ذكاء أو حيلة في تجاوز الاختلاف الجذري في الشكل فاتجهوا إلى المضمون ليوهموا أنفسهم أنهم فعلاً صاروا متحضرين فاستهانوا بالقيم والمبادئ والثقافة الوجدانية فقلدوا الروح الثقافية والفكرية في المجتمعات الغربية ليصبحوا مرضى بالانفصام وازدواجية الشخصية بين إرث مترسب ووهج جاذب، فتغيرت الأخلاق والقيم وأصبحت مادية بشكل مثير ومؤذٍ للأخلاق والقيم العربية والإسلامية.
في حين انغمست (بعض) النساء وخاصة المراهقات منهن إلى التلبس بالشكل إلى درجة التمثل بلون الشعر والعينين واللباس بالتأكيد فصرن أشبه بمهرجي السيركوس، ولكن وبحمد الله هنّ ممتنعات عن تقليد السلوك الأخلاقي عكس الذكور، وإن كان هذا أيضاً نتاج الترسبات الوجدانية ثقافة ومفاهيم ولكن أيضاً للثمن الأخلاقي المكلف للأنثى عن الذكر والحق أقول إني لا أتحدث عن عموم ولكن ظواهر محسوسة.
وإذا عدنا إلى جنوب شرق آسيا فإننا قد نجد العذر فربما كان وجه التقارب أو التشابه الوجداني والعقائدي المهيمن على السلوك والأعراف والتقاليد بينهم وبين الغرب هو ما ساعدهم في التخلص من مزالق التزييف ومخادعة الذات فاتجهوا إلى تقليد الصناعة والتقنية والمعرفة، في حين وجدنا أنفسنا في المجتمع العربي أمام فارق هائل في المفاهيم والإرث الثقافي بين المفاهيم العربية الإسلامية والأوروبية المسيحية، وبالتالي وقفنا وقفة الجمود والتخلف، وكان قدرنا صراع بين الإرث المترسب والوهج الجاذب وفي مناخ كهذا اخترنا التقليد اليائس العبثي تحت ضغط التاريخ والجغرافيا وكانت النتيجة الطبيعية وللأسف لا حمامة ولا غراب.
Hassa-alyemni@hotmail.com