Al Jazirah NewsPaper Saturday  07/11/2009 G Issue 13554
السبت 19 ذو القعدة 1430   العدد  13554
الرفق في ممارسة الإصلاح
عبدالله بن محمد السعوي

 

لا تتنامى المكتسبات الإصلاحية عندما تكون القسوة هي الراحلة التي يجري امتطاء صهوتها لتجسيد ذلك المأرب. تنمية حجم الخيرية في المجتمع يتطلب قدراً واسعاً من التناغم مع مقتضيات الفقه التغييري والتي تفرض علينا أن نظل مشدودين نحو أساليب الرفق الجذابة وأشكال اللين الآسرة

التي عندما يتم اعتمادها فسيكون النجاح حليفاً لنا في تضييق المساحة التي تحتلها ألوان الشّريّة. النجاح في التعامل مع الناس هو فرع عن النجاح في معرفة التركيبة العقلية لكل شخص وهو ما يسمى (الوعي بالآخر) والذي بناءً عليه يتم تحديد نوعية التعامل معه. ومن المعروف أن العقليات وطرق التفكير تختلف من فرد لآخر ولكن يظل التلطّف في الخطاب والدماثة في التعاطي هو الباعث الجوهري للوصول لقلب المخاطب أياً كان نوعه. إن الاستلطاف مطلب جوهري وخصوصاً مع ذلك العقل الذي يتشبث بمنطقه ولا يتزحزح عن رؤاه فهو ينحو منحى التصلّب على نحو يصعب زعزعته ويتعسر دفعه نحو مبارحة المرواحة المكانية والجمود السلوكي؛ ومثل تلك العقلية يفترض إبان التعاطي معها بقصد مَدّها بالحيوية ودفعها نحو الإصلاح يفترض استخدام الرفق والكلام اللين, وأيضاً الانطلاق من مبدأ التدرج الذي يحملها نحو مغادرة وضعيتها شيئاً فشيئاً؛ لأن دفعها نحو إحداث قفزة نوعية ونقلة سريعة أمر قد ينعكس سلباً على نحو قد يقودها نحو التشبث بوضعيتها المتردية والتمرد على كل ممارسة إصلاحية وإفقادها فعاليتها المنشودة وجعلها عديمة الجدوى. إن استخدام أسلوب الشدة في الإصلاح هو استثمار في مشروع خاسر في أغلب سياقاته لأن الطبيعة البشرية تكره جهامة الأسلوب وصرامة التعاطي وتنفر من القوالب العابسة والألوان المكفهرّة؛ إنها تكره إكراهها على كُرْه مفردة معينة, أو حب نمط محدد وهي وإن امتثلت ظاهراً فإنها في الباطن لا تكف عن إصدار آيات الرفض. إن القالب الذي تُقدم من خلاله الفكرة الإصلاحية هو جزء من كينونة الفكرة ذاتها، وكم من فكرة سلبية أخذت سبيلها متسلّلة نحو الأذهان بفعل الملامح الجمالية لذلك الإطار الذي غُلفت به إبان رحلتها نحو عالم العقل, وفي المقابل كم من فكرة إيجابية قوبلت بقدر عال من الاستهجان بفعل انحطاط المنطق الذي يجري توظيفه لتسويقها. إن القسوة حين تضحي هي العملة المتداولة في المشروع الإصلاحي فإن مفردات السلب ستتنامى مواردها وستتوفر دواعيها على نحو قد يدفع المجتمع ثمنه من قيمه وأخلاقياته. الإساءة في ممارسة الإصلاح تحيل الإصلاح إلى أحد صور الإساءة التي هي من يحتاج إلى الإصلاح لأنها أصبحت تمارس دوراً معكوساً؛ نعم قد تكون الفكرة فكرة إصلاحية محضة لكن آلية تعاطيها والسبيل الذي يجرى انتخابه لترويجها قد يكون مناهضاً لطبيعتها ومصادراً لمقاصدها وهنا تتحول من فكرة يراد بها توسيع نفوذ الإصلاح إلى فكرة مغذية لمولدات الإساءة وموسعة لحجم الحضور السلبي الذي يسهم في توجيه بوصلة الحراك الاجتماعي وبالتالي دفعه للتقدم نحو التخلف. إن الفكرة ذات المؤدى الإصلاحي تحمل في ثناياها ما يجعلها مؤهلة للاستقطاب والتفاعل الجماهيري ولكن لا يتم ذلك إلا عندما يجري تحريك معانيها بقالَب أكثر تلطفاً, وبأكبر قدر ممكن من السماحة والمرونة والرفق والهدوء وطلاقة المحيا والتعامل بالتي هي أحسن وإلجام الاندفاع اللا محسوب والتصرّف على ضوء الفلسفة ذات المنحى الودي والتي هي الكفيلة بتجسيد درجة عالية من التجذر للفكرة الإصلاحية ومنحها المزيد من الانتعاش التوسعي.



Abdalla_2015@hotmail.com

 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد