دخول جامعة الملك سعود إلى تصنيف شنغهاي ضمن أفضل خمسمائة جامعة في العالم، كان إنقاذا لمؤسسات التعليم في الوطن العربي، باعتبارها الجامعة العربية الوحيدة التي دخلت هذا التصنيف النوعي، وهي الجامعة العربية الوحيدة التي تدخل هذا التصنيف منذ تاريخ بداية هذا التصنيف عام 2003م..
وقوة تصنيف شنجهاي تكمن في أن مؤشرات أو معايير التقييم للجامعات تركز على الجانب الأكاديمي في الجامعة، وتحديداً توجد أربعة معايير سبق أن أوضحتها في مقال سابق، ونحتاج التأكيد عليها في مثل هذه المناسبة، وهي:
1- المعيار النوعي للتعليم (جودة التعليم)، ويتم تقييمه من خلال أعداد خريجي الجامعة ممن فاز بجائزة نوبل وميداليات وجوائز مرموقة في مختلف التخصصات (ويخصص له 10%).
2- المعيار النوعي لأعضاء هيئة التدريس، ويتمثل في عدد الأعضاء الحاليين ممن فاز بجوائز نوبل أو ميداليات تميز (20%)، وكذلك عدد البحوث الأكثر استشهاداً في واحد وعشرين قاعدة أبحاث علمية (20%).
3- معيار المخرجات البحثية، ويتحدد من مجمل الأبحاث المنشورة في دوريات في العلوم والطبيعة (20%) وذلك خلال آخر خمس سنوات تسبق التصنيف، وكذلك البحوث الأكثر استشهاداً في عددٍ من القواعد في التخصصات العلمية وفي تخصصات العلوم الاجتماعية (20%). ويتم اعتماد البحوث في السنة التي تسبق التصنيف.
4- معيار الأداء العام للجامعة، ويتم حسابه من خلال الدرجات التي تحصل عليها الجامعة في المعايير الثلاثة الأولى نسبة إلى عدد الكوادر الأكاديمية في الجامعة.
وللتوضيح، فإن تصنيف شنجهاي يقوم بتصنيف أكثر من 2000 جامعة في العالم، ولكنه فقط ينشر أفضل 500 جامعة التي تقع في هذا التصنيف السنوي (ويرفض نشر كامل القائمة). وتنطلق البداية من إدخال أي جامعة لها حضور في أي معيار من المعايير الثلاثة الأولى، وتدخل في عملية التصنيف، ثم يتم حساب درجات كل جامعة طبقاً للمعايير المحددة.
وتشير الإحصاءات الخاصة بهذا التصنيف إلى أن الجامعات في الولايات المتحدة الأمريكية قد تصدرت قائمة الخمسمائية وبنسبة وصلت إلى حوالي 30% من مجمل القائمة، تلتها كل من جامعات بريطانيا وألمانيا بنسبة 8% لكل منهما، مما يعطي دلالة على القوة والنوعية التي تمتلكها جامعات هذه الدول، وتلتها جامعات اليابان وكندا وفرنسا واستراليا..
وتعترف الجهة المنظمة وهي مدرسة الدراسات العليا للتربية بجامعة شنجهاي بأن بعض الجامعات تحظى بفرص أقل لأن الاعتماد في تقدير حجم البحث العلمي هو على دوريات باللغة الإنجليزية، وتعرف أن هناك دوريات أخرى لها مكانتها البحثية، ولكن بلغات أخرى.. ولهذا تظلم الجامعات التي لدى أساتذتها بحوث بلغات أخرى، مثل جامعاتنا العربية.
كما يجب التنويه إلى أن عدد من الجامعات السعودية قد قفزت بنشاط أكاديمي كبير خلال العامين الماضيين، ولن يترك هذا أثراً كبيراً بالسرعة التي نتوقعها، لأن بعض المعايير تأخذ في الاعتبار مجمل النشاط البحثي خلال آخر خمس سنوات.
وعلى العموم فقد دخلت جامعة الملك سعود هذه القائمة التي لم نكن نحلم بدخولها خلال السنوات الماضية، وحضورها كممثل عربي وحيد في هذا التصنيف حفظ ماء الوجه للجامعات العربية وللتعليم العربي.. ولنا أن نتصور لو ظهرت هذه القائمة بدون أي جامعة عربية، فلاشك أن ذلك سيشكل صدمة كبيرة للرأي العام العربي.. ووجود جامعة الملك سعود كان العزاء الوحيد أمام غياب جميع الجامعات العربية في تصنيف شنغهاي.
ولا شك أن مثل هذا الخبر عن دخول جامعة سعودية في هذا التصنيف قد شكل أخبارا سارة جدا لمنسوبي التعليم العالي والجامعات السعودية، كما تصدر هذا الحدث العلمي نشرات الإخبار وصفحات الصحف السعودية والعربية، وعدد من القنوات العربية والدولية. إضافة إلى الاهتمام الرسمي السعودي بهذا الحدث من قمة القيادة السعودية بالتنويه عنه في قرارات مجلس الوزراء الأخيرة. كما أن تفاعل عدد كبير من الكتاب والخوض في هذا الموضوع يعكس فعلا أهمية الحدث وتاريخيته، حيث أشاد هؤلاء الكتاب والكاتبات بمكانة جامعة الملك سعود، وأنها فعلا دخلت الريادة العالمية..
وأخيراً، فيجب أن ندرك أن نوفمبر من العام القادم 2010م لن يكون بعيدا، ولهذا فعلى الجامعات السعودية والعربية أن تبدأ من اليوم في دعم وتطوير مخرجاتها البحثية لتواكب معايير التصنيفات العالمية، وتحديدا تصنيف شنغهاي، الذي يعد أهم التصنيفات وأجدرها بالاهتمام. وينبغي على جامعاتنا أن تدرك أن البحث العلمي هو أساس ومحوري في دخول الريادة العالمية.. كما أن النشر باللغة الإنجليزية هو نقطة الأساس في ظهور الجامعة على المستوى العالمي.
المشرف على كرسي صحيفة الجزيرة للصحافة الدولية - أستاذ الإعلام بجامعة الملك سعود
alkarni@ksu.edu.sa