كان تاريخ القومية العربية أو الوحدة العربية قائماً على محاربة الاستعمار، فقد كانت الدول الاستعمارية قد استكملت احتلال أكثر من 90% من أقطار الوطن العربي في أعقاب فشل الثورة العربية الكبرى، وتم فرض الانتداب والوصاية على الولايات العربية التي انفصلت عن الدولة العثمانية في مؤتمر فرساي 1919م، والذي بدأت بسقوط أول دولة عربية تم إعلان قيامها في سوريا في عام (1920م)، ودخول الجيش الفرنسي إلى العاصمة دمشق، ثم هروب ملكها إلى أوروبا، بحثاً عن عرش جديد أعطاه له حلفاؤه الإنكليز في العراق.،. وجاء انعقاد مؤتمر القدس الإسلامي 1930م لدعم القضية الفلسطينية كأول عمل عربي موحد من أجل العمل على مقاومة اغتصاب الأرض العربية.
أدى هذا الحراك العربي إلى أول ظهور في التاريخ لأيديولوجيا القومية العربية، والتي كانت تعبر عن إرادة الأمة العربية في التحرر الوطني والقومي والوحدة العربية والحداثة والتقدم، وقد قام بتجسيدها ما يمكن أن يٌطلق عليه بالتيار القومي العربي، والذي شملت قوائمه جمعيات وأحزاب وحركات وانقلابات سياسية، لكن لم تصاحبه إرادة شعبية وإصلاح سياسي، وكان سقوط النخب العربية أحد الأسباب لفشل الطرح العربي المؤدلج بمهمة تحرير الأراضي العربية سقوط النخبة في مدارات الصراع حول مصالحهم الشخصية، إما في امتلاك الثورة أو إحكام القبضة على السلطة واحتكار الموقف السياسي، لتحدث الكارثة العربية، ويسقط العرب في فخ التخلف والاستبداد والهزيمة الذي قضت على آخر آمالهم في التطور والانتصار في قضاياهم التاريخية.
في العقد الحالي يمكننا أن نقول أن الحديث عن الوحدة العربية قد انتهى زمنه، وحان الوقت أن نعلن خروج هذا الحلم من عالم الممكن إلى زمن المستحيل في العصر الحديث، فالعرب الذي قدموا المثال التاريخي على عدم الاتفاق على مصالح إستراتيجية موحدة، دخلوا إلى عالم يحكمه فقط الاقتصاد والأحلاف السياسية الدولية، في حين يشهد الواقع كيانات عربية ضعيفة وعاجزة عن مواجهة التشكيلات الجديدة في الاقتصاد والسياسة، لكن الملاحظ أن البلاد العربية لا يزال يُطلق عليها في نشرات الأنباء الأقطار العربية، إذ يُقال القطر العربي الشقيق، وهو مصطلح جاء من مرحلة القومية العربية، ومن بقايا الكابوس العربي إن صح التعبير الذي تم فيه إعدام أيديولوجية القومية في مهدها عام 1967 ميلادي، وقد كان سقوطها الإعلان الأول لدخول الحالة العربية السياسية إلى مرحلة الشتات السياسي والتنموي، وقد كان ما حدث وصمة عار في تاريخ الشعوب العربية.
يشهد التاريخ الحديث أن العرب لم ينجحوا إلى الآن في كسب أياً من تحدياتهم سواء كانت العسكرية أو السلمية أو الاقتصادية أو الثقافية ضد خصومهم وجيرانهم بدءاً من قضيتهم الأزلية بعد احتلال فلسطين، ومروراً بالتعامل الهزيل مع حلقات اللعبة السياسية الغربية في تاريخ طويل من المد والجز والتسويف السياسي، ويبدو أن حلقات الهزيمة أذنت بدخول مراحلها النهائية، وهي قبول الأمر الواقع في مسألة توطين اليهود في القدس ثم عزل العرب الفلسطينيين في محميات على شاكلة ما حدث للهنود الحمر في أمريكا الشمالية..
لا يمكن على الإطلاق تخيل صورة تعبر عن حال العرب في الزمن الراهن، فقد تم إبادة شخصيتهم العربية القديمة، واستبدلت بمسخ لا هوية له ولا ملامح، شخصية انعزالية وانطوائية، وتهرب من مواجهة قضايا تخلفهم، أو حتى محاولة تشخيص واقع العربي المهزوم، ولن تجدي إعادة شعارات القومية العربية إلى الواجهة، وذلك أولاً لأنها أثبتت أنها غير مجدية في مراحل البناء والتنمية بعد الاستقلال، وثانياً لأن القومية العربية غير مؤهلة ثقافياً لإحداث التغيير كما حدث على سبيل المثال مع الحركة التركية القومية والقوى العلمانية الصهيونية في الأرض المحتلة.. لذلك يجب البحث عن وسائل أكثر جدوى من ترديد الشعارات في دورية المؤتمرات العربية.