كانت الفلسفة قبل فلسفة اليونان، وأثناء فلسفة اليونان، وبعدها الفلسفة الرومانية وما تلاها من فلسفات أخرى مسيحية وإسلامية كانت تنصب على ما هية الوجود والكون والنظام الفلكي، وغير ذلك من المواضيع الأخرى. ولكن في القرن الخامس عشر الميلادي حدثت نقلة نوعية في المجال الفلسفي، ففي عام 1492م اكتشفت أمريكا، وظهرت نظرية عالم الفلك البولندي كوبرنيكوس (1543-1473م) والتي أكدت دوران الأرض حول الشمس مثل أي كوكب آخر.
وبهذا بدأت الفلسفة تنصب على المجال العلمي، فظهرت فلسفات وأطروحات ونظريات وقوانين تنصب علىجوانب علمية مختلفة، وتلا ذلك وخصوصاً في القرون السابع عشر والثامن عشر والتاسع عشر -الثورة الصناعية- تطبيق عملي وفعلي وصناعي لهذه النظريات العلمية. وهذا حدث في أوروبا وأمريكا، ومعها بفترة متأخرة روسيا واليابان، وفي القرن العشرين وصل التطور العلمي والصناعي والتقني أوج تطوره في هذه الدول، وتبعها بعد منتصف القرن العشرين كل من الهند والصين وماليزيا وكوريا، كل هذا حدث ويحدث الآن والعرب لا حس ولا رس في هذه الأمور. وفي بداية العقد الأول من القرن الواحد والعشرين برزت دول مثل البرازيل وإيران لها باع في التطور الصناعي والتقنية. وبهذا ختمت الفلسفة اتجاهها إلى المجال العلمي على الأقل في الوقت الراهن.
يقول فضل الله (1425هـ- 2004م): إن ظاهرة التطور العلمي أخطر ظواهر الحضارة البشرية على الإطلاق، كما أنها من أكثر الظواهر الإنسانية تمثيلاً لحضور الإنسان ككائن عاقل، فضلاً عن فعاليته في العالم. لقد تضاعفت، وبشكل ملحوظ، مجلوبات العلم ونتائجه في القرن العشرين، حتى بات العلم عاملاً فاعلاً وحاسماً في تشكيل العقل الإنساني، والواقع الخارجي، على حد سواء، وأضحت فلسفة العلم كذلك أهم فروع الفلسفة، لأنها تعبر عن روح العصر وطبيعة فعالية العقل فيه، كما تعبر عن الحوارات الهادفة التي تتلاقى فيها مختلف الآراء.. ويقول فضل الله أيضاً: عرف الإنسان في النصف الأول من القرن العشرين ثورة علمية قوية في مجالات الفيزياء، والكيمياء والنقل والتواصل وغيرها أحدثت انقلاباً جوهرياً في حياة المجتمع البشري؛ لكن، مع بداية النصف الثاني من القرن العشرين وحتى اليوم مر الإنسان ولا يزال يمر بتطورات مذهلة، تجاوزت مرحلة التعجب والدهشة بالعلم وتطوره، إلى مرحلة أدائه وتطبيقه وتوجيهه لحل المشكلات التي نتجت بفعل تطوره.
نقول: يبدو أن المسؤولين في المملكة العربية السعودية وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين قد أدركوا ومع بداية القرن الواحد والعشرين أن سلامة المملكة كوطن وسلامة شعبها لن يتحقق إلا بالاتجاه إلى تطوير التعليم المصحوب بالتطور الصناعي والتقني، ومحاولة الاكتفاء بالإنتاج الوطني وعدم الاعتماد على الآخرين، ومع أن هذا يحتاج إلى فترة طويلة نسبياً إلا أن البداية تبشر بالخير، وهذا يحتاج إلى تعاون بين الحاكم والمحكوم، فالمملكة في حالة يسر مادياً، ولا ينقصها عقول رجال تعرف ما هية العصر. لقد تمتع المواطن السعودي طويلاً بما أنتجه العلم وفلسفته من نتاج بفعل الآخرين فعليه الآن أن يقوم هو بصنع احتياجاته الذاتية وما يحتاجه وطنه من أمور أخرى، لأن قيمة الدول يحددها ما تبدعه أفكار الإنسان فيها، وبما تصنعه أيدي أفرادها ذكورها وإناثها، وهذا مصحوب بجيش ورجال أمن يحفظون حدودها وأمنها الداخلي يسير التطور بصورة سلسة.
المراجع: د. هادي فضل الله (1425هـ-2004م): (مدخل إلى الفلسفة). دار المواسم للطباعة والنشر والتوزيع. بيروت - لبنان.