أكد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية صاحب السمو الملكي الأمير نايف بن عبد العزيز - يحفظه الله- في اجتماع وزراء الداخلية لدول جوار العراق أن (التسمية الشرعية للإرهابيين هي الخوارج، ويجب مواجهتهم بالأمن الفكري حتى تصحح الأفكار في أذهانهم). تلكم بالفعل حقيقة اتضحت منذ أن ظهرت نوايا التنظيمات والخلايا الإرهابية المغرضة التي تتناقض تماما مع الشرع الإسلامي الحنيف ومع الوطن وسياسات ولاة الأمر والجماعة.
الإرهابيون الذين يفجرون أنفسهم في عمليات إرهابية انتحارية على طريقة بيدي لا بيد عمرو, لا يمكن أن تفسر سلوكياتهم الدموية الإرهابية تلك وفقا لأي منطق ديني عقائدي سماوي, ولا يمكن أن تستند إلى خطاب مرجعي ديني أو مذهبي سوي, بل ولا يمكن تفسيرها بمفهوم إنساني طبيعي مستقيم.
هؤلاء الخوارج خرجوا على الشرع الإسلامي وعلى القانون والعقلانية الإنسانية الطبيعية السوية. لذا من المستحيل تفسير سلوكياتهم الدموية هذه على كونها مظهر ما أو شكل من مشاكل التعبير والاعتراض أو الرفض لأنظمة الحكم السياسية الشرعية, أو أنها وسيلة من وسائل المقاومة والمواجهة لإسرائيل وغيرها من خلال إشعال نار إرهاب داخلي يضعف الدول العربية والإسلامية من الداخل، كما وأنهم ليسوا في حالة مواجهة مع مجتمع خرج على الشريعة الإسلامية السمحة.
الحقيقة التي غابت عن وعي الإرهابيين الخوارج أنهم يعيشون في مجتمعهم الإسلامي الذي احتضنهم ورعاهم وأطعمهم ووفر لهم سبل الحياة: الدينية، الصحية، والمعيشة الاجتماعية المستقيمة. السؤال إذاً: ما الذي يمكن أن يفسر جنوح هؤلاء الإرهابيين الخوارج السلوكي إلى حد الانتحار وقتل النفس من أجل قتل مسلمين مواطنين وغيرهم من المقيمين والوافدين؟.
من وجهة نظر سياسية هذه السلوكيات الإرهابية من أنماط السلوك الإرهابي الثوري المارق للخوارج التي تؤمن بإلحاق الأذى والضرر بالمواطنين المسلمين وغيرهم، وبالتالي، يصعب أن تبررها أعتى نظريات السياسة الداخلية أو الخارجية. من جانب آخر، لا شك أن هذه السلوكيات الإرهابية المريضة بداء العنف لا يمكن أن يوجد لها أي مبرر في منتظمات السياسات الخارجية والمؤثرات السلبية التي تتمخض عن البيئة الدولية. كما ويصعب أن يتم تفسيرها بمقررات السياسة الشرعية أو حتى السياسة القانونية. فحكم هذا النمط المنحرف من السلوكيات الإرهابية حكم النشاز عن القاعدة, وحكم الشذوذ عن الطبيعة، طالما أنها تحرص على إزهاق الأرواح وتدمير الممتلكات العامة والخاصة حتى وإن قضت على الذات بعد أن فشلت في التمييز بين الحق والباطل وبين العدو والصديق وانتهجت فكر المطلق في الفكر الذي أفضى إلى حكم المطلق في العنف.
بيد أن النظرية السياسية الوحيدة التي تنطبق على مثل هذه السلوكيات الإرهابية هي نظرية (طوابير الخوارج الخامسة) أو (طوابير الخوارج الخونة) بمعنى أدق أن هذه الفئة الضالة من الممكن أن تنتمي لقوى خارجية معادية للدولة وللإسلام والمسلمين مهمتها تنفيذ مخططات الأعداء بضرب بنية الوحدة الوطنية من الداخل ووضع الدول العربية والإسلامية في مواجهات غير متكافئة مع الدول والحضارات والأديان الأخرى.
من جانب آخر، من الممكن أيضا أن تنطبق على سلوكيات هذه الزمرة المنحرفة نظرية (التنكر للذات وللمجتمع) بواسطة الانتقام من المجتمع كله في محاولة يائسة لنفي المجتمع حتى وإن تطلب الأمر اللجوء إلى نفي الذات, أو كما يقال بالمعنى المتعارف عليه (نفي النفي). هذه الفئات المؤدلجة بشحنات المروق والتطرف تعكس فكر الجماعات والتنظيمات الإرهابية الخارجة على الدين والنظام والقانون لأنها ترفض قاعدة الحياة الإنسانية السوية والمستقرة وتؤمن بقاعدة الفوضى وفرض حياة الغاب.
هؤلاء الإرهابيون الخوارج يمكن أن تندرج سلوكياتهم أيضا وفقا لتنظيرات علم النفس السياسي بالسلوكيات المريضة المنحرفة الذي يؤكد بأن طغيان (نزعة العنف والشر) على تفكير الفرد أو الجماعة يسوقهم حتما للمواجهات العقيمة، وبالتالي، يدفعهم إلى لقاء حتفهم المحتوم.
تبدأ عوارض هذا المرض عندما يشعر الإرهابيون الخوارج بعدم الاستقرار النفسي (الاضطراب النفسي) وبعد أن يتعرضوا لشحنات ضخمة ومركزة من الأفكار المتطرفة الهدامة المليئة بالغلو, والتشدد والتطرف، وبعد أن تلقوا تعليمات رافضة مكفرة للآخرين متعارضة مع الواقع والمنطق، أنمت في نفوسهم القناعة بعدم الانتماء للمجتمع ( الخروج على المجتمع) وتعلقهم أو ارتباطهم بمجتمعات أخرى خارجية خيالية أو مثالية لا تعيش إلا في عقول منظريها ومعتنقيها الخارجين على الشريعة وعلى أهل السنة والجماعة.
أما علم النفس الاجتماعي فقد يفسر هذه الظاهرة الإرهابية الدموية على أنها ظاهرة اجتماعية شاذة لفئة ضالة لم تشذ وحسب عن عادات وتقاليد وقيم وأعراف المجتمع الأصيلة والمتعارف عليها والتي منها انبثقت ثقافة المجتمع وحضارته, وإنما شذت أيضا عن أخلاقيات المجتمع الإنساني ذاته, بل وعن جميع الأخلاقيات الطبيعية السوية للمجتمعات الإنسانية. ذلك لأنها تفضل خيار العنف والشر والدمار وتؤمن بوسيلة سفك الدماء لترويع الآمنين ونشر الفوضى وتعميمها.
الغالبية العظمى من العلوم الاجتماعية والأمنية تؤكد على ضرورة مواجهة قوى العنف والشر والإرهاب والإجرام بمختلف الوسائل بداية بالأمن الفكري مرورا بالقوة وضرورة عدم التراخي معها، أو إظهار أي شكل أو مستوى من مستويات المرونة أو الليونة.