Al Jazirah NewsPaper Monday  02/11/2009 G Issue 13549
الأثنين 14 ذو القعدة 1430   العدد  13549

ربيع الكلمة
وَهْمٌ اسمه: الحسد !
لبنى الخميس

 

تضيع حياة جمع غفير من الناس بما فيها من مسرات ولذات ومتع ولحظات من العمر، بسبب ظاهرة ووهم بحجم حياتهم وما ضاع منها بل وأكبر.. وهو وهم (الحسد).

لا شك ولا ريب أن الحسد شيء من الواقع، ذكر في القرآن والسنة، بل إنه من أول المعاصي ظهورا في تاريخ البشرية.. وقد حذر الله من شره حين قال: {وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ}.

ولكن الكارثة الحقيقية حين تتحول حياة بعض من الناس إلى جحيم مقيم، بسبب توهمهم أنهم يعيشون داخل دائرة ضيقة تحاصرها أعين حاسدة.

فإن أجزل الله عليهم عطاءً من أي نوع فإنهم يكتمونه ولا يصرحون به، بل إنهم قد ينكرونه خوفا وحذراً من الحسد !.

وإن أثنيت عليهم ومدحت شيئا يخصهم فإنهم يباغتونك ويفاجئونك حين يجبرونك على قول: (ما شاء الله، تبارك الله، ولا إله إلا الله) حيث إنك تجاوزت حدودك كثيراً حين لم تتبع ثناءك بذكر اسم الله.

كما أنك قد تصبح من القائمة السوداء للحساد لديهم.

وللأسف فإن هذه الظاهرة التي تنتشر كانتشار النار في الهشيم في مجتمعنا، تسجل حضوراً أقوى في عالم النساء، اللاتي يؤمِنْ إيمانا مطلقاً بأنهم محط أنظار الحسودات من النساء، فإن أصابهن مكروه أو أذى أوتشاجرت مع زوجها، أوألغيت رحلة سفر أو أي مشروع آخر، وإن كان تافهاً، فإنهن يربطن ذلك تلقائيا بالعين والحسد والغيرة.

فستتعجبون مثلي- أعزائي القراء- حين تقرأون تلك القصة المضحكة المبكية للمرأة السعودية التي رزقها الله بزوج صالح، دمث الخلق، طيب المعشر وكريم سخي.. وكانت زوجته (المصون) تنكر ذلك بالعلن حين تتصدر المجالس وتبدأ شكواها وتؤكد أنه سيئ الطباع ومتقلب المزاج، بل إنه ضربها في أكثر مناسبة! وقد تذرف الدموع أحياناً -حسب قوة المشهد الدرامي- الذي كانت بطلته على مر السنين، وكل تلك الدراما والقصص المحبوكة، حتى تتخلص من أعين النساء اللاتي لم يسألنها أصلا ًعن زوجها ! الجدير بالذكر أن زوجها علم بأنها كانت تتولى مهمة تشويه سمعته بامتياز فطلقها، وهجرتها صديقاتها على اعتبار أنها مريضة نفسياً.

وامرأة أخرى متواضعة الجمال كانت ترفض أن تضع مكياجا أوتواكب صيحات الموضة في لبسها، وذلك حتى لا تحسدها النساء على جمالها ومظهرها وتماشياً مع قاعدة (القبح أفضل حارس للمرأة) !.

أما في ذلك مبالغة مقيتة تتحول أحيانا إلى مرض نفسي يتطلب علاجاً حقيقيا ؟!

إلى متى ستظل هذه الفئة من الناس - و التي تعتقد أنها محور العالم والناس لا شغل لهم سواها - تعيش حالة طوارئ تحسبا لوقوع أي أذى مصدره عين ناقمة أو حاسدة ؟!

وإلى متى سيظل كثير من الآباء والأمهات يضللون أبناءهم حين يغرسون فيهم فكرة أن جميع الناس يتمتعون بالحسد والغيرة، فيقتلون طفولتهم ويغتالون فرحتهم حين يحذرونهم من الإعلان عن مشروع جميل قاموا أو سيقومون به ؟!

للأسف، فإن هؤلاء الفئة المتعبة من الناس يعيشون (نص) فرحة وراحة وطمأنينة، ويضيع وقتهم وجهدهم، بل وحسناتهم حين يسيئون الظن بالآخرين.

ومن هذا المنبر أهيب برجال الدين والعلماء والتربويين والنفسيين للالتفات لتلك الظاهرة المؤلمة والمزعجة وأن يوعوا هذه الفئة من مخاطر المبالغة والمغالاة وإرشادهم إلى الطريق السليم القويم والعلاج الصحيح لمثل تلك الآفة الخطيرة.

ختاماً.. الحسد واقع لا جدال عليه، ولذلك يجب أن نحصن أنفسنا بذكر الله كثيراً بكرة وأصيلا، بدلاً من أن نجعل وهم (الحسد) ورماً ينتشر في عقلنا وقلبنا فيدمر ويسحق كل ما هو جميل وعفوي وبريء في داخلنا.. والله من وراء القصد.

نبض الضمير

قال ابن المعتز:

اصبر على حسد الحسود

فإن صبرك قاتله

فالنار تأكل بعضها

إن لم تجد ما تأكله


 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد