في صيف عام 1996م التحقت بدورة تدريبية في معهد (PDS) في مدينة كلير ووتر الساحلية بالقرب من مدينة تامبا في ولاية فلوريدا بالولايات المتحدة الأمريكية. وكانت تلك الدورة في مجال (تطوير المهارات الشخصية في العمل ..
مع الجماعات)، وذلك ضمن برنامج معهد الإدارة العامة لتدريب أعضاء هيئة التدريب في المعاهد المتخصصة في أوروبا وأمريكا وأستراليا وشرق وجنوب شرق آسيا وغيرها. وتعتبر هذه المدينة الصغيرة من أجمل المدن الساحلية حيث الهدوء والطقس المعتدل والشاطئ الترابي الجميل، ويقصدها السيَّاح من داخل الولايات المتحدة وخارجها.
وخلال مدة الدورة جرى بيني وبين أحد المشاركين الأمريكان حديث عن المملكة العربية السعودية، تبيَّن لي أن معلوماته عن المملكة ضحلة، ولا يعرف عنها إلا أن مكة توجد بالمملكة، وأن لديها احتياطيا هائلاً من البترول، وأن هناك أعداداً لا بأس بها من الإبل. وأعتقد أن هذه النظرة ليست مقتصرة على هذا الرجل؛ بل إن بعض الأمريكيين يشاطرونه تلك النظرة. وخلال ذلك الحديث أعطيته معلومات وافية عن المملكة من جميع النواحي. كما أخبرته أن حوالي نصف مساحة المملكة عبارة عن صحاري تكسوها الرمال؛ فعلق مازحا على ذلك بأننا نستطيع أن نصدِّر الرمل إلى الخارج بعدما ينفد المخزون النفطي. ولم يكن يعلم في ذلك الوقت ولا أنا أن الرمل يُصدَّر إلى الخارج إلى بعض الدول المجاورة.
وتجدر الإشارة إلى أن خادم الحرمين الشريفين قد أصدر أمره بإيقاف تصدير الرمل والبحص إلى خارج المملكة بناء على دراسة أعدها خبراء وجيولوجيون ومهندسون من وزارة البترول والثروة المعدنية دلت على وجود آثار سلبية اقتصادية واجتماعية وصحية وأمنية وبيئية لهذه العملية. وقد أشار معالي وزير البترول علي بن إبراهيم النعيمي إلى أن هذه الآثار تشمل: إضعاف الغطاء النباتي، وزيادة التصحر، وإثارة الغبار المضر بالصحة، وإتلاف الطرق، والتسبُّب في المشاكل المرورية، والجور على التربة، والإضرار بالحياة الفطرية وغير ذلك. وقد وجَّه معالي وزير البترول الجهات ذات العلاقة بإنهاء عقودها والتزاماتها مع مختلف الجهات من القطاعين العام والخاص خلال ثلاثين يوماً من تاريخه.
وبالمناسبة فإن هناك سؤالاً يُطرح كثيراً عن الفرق بين الرمل والتراب، خاصة للذين يدرسون العلوم الشرعية في موضوع التيمم؛ حيث يرى فريق أن التراب أكثر خشونة، وله غبار، بينما الرمل ناعم وليس له غبار، والفريق الآخر يرى أن الرمل والتراب شيء واحد، ولا يوجد بينهما فرق في الحُكْم. أما من الناحية الاقتصادية فهو مادة أساسية في صناعة مواد البناء واستصلاح الأراضي الزراعية وغير الزراعية وبناء الطرق وإقامة السدود الترابية وصناعة الأسمدة والمعادن وغيرها. وهذا يتناقض تماماً مع نظرة الناس إلى هذه المادة. وأما من الناحية الاجتماعية فنرى أن تراب الصحاري النظيف مكان رائع للنوم والجلوس. وأما من الناحية الرياضية فقد يكون هو المكان الأنسب للتطعيس.
وأما من ناحية الخلق والتكوين فقد خلق الله سبحانه وتعالى أبانا آدم من تراب؛ حيث قال: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ} (سورة آل عمران الآية 59)، وفي آية أخرى أشار إلى أنه خلقه من طين؛ حيث قال: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} (سورة الأعراف الآية 12). ومعلوم إلى حد اليقين أن الطين هو أحد مشتقات التراب بعد غمره بالماء. وأما الكافر فيتمنى أن يكون تراباً يوم القيامة؛ حيث قال عزَّ من قائل: {إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَابًا قَرِيبًا يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَابًا} (سورة النبأ 40).