Al Jazirah NewsPaper Monday  02/11/2009 G Issue 13549
الأثنين 14 ذو القعدة 1430   العدد  13549
بين الكلمات
بين وثنية الوطن وتوحيد الأمة
عبد العزيز السماري

 

بعد عدة سنوات عاد الحوار الوطني إلى زمن ما قبل بدء جولاته، وإلى الحوار من جديد عن الموقف السلبي من الوطنية، وعن علاقتها بالأمة الإسلامية، وهل نحن أبناء وطن واحد يقوم على معادلة الحقوق والواجبات، أم أننا نحن أمميون، تتحدد علاقتنا بالآخرين من أبناء هذه الأمة بناءً على العقيدة، بالتالي يصبح المسلم السني خارج هذا الوطن أقرب إلينا من أبناء الطوائف الأخرى داخل الوطن ..

وكأن ما دار من حوارات في الجولات السابقة لم يحدث، ولم تتفق فيه مختلف التيارات على أن الوطن يجب أن يأتي أولاً، وقد نتجاوز هذا الموقف المتجدد، ولكن أن يأتي الاختلاف من شخصية وطنية في وزن الشيخ صالح الحصين فإن الأمر بالتأكيد يحتاج إلى وقفات وإلى إعادة فتح ملفات القضية على الطاولة من جديد، فما تجدد الحديث فيه يعني كما تناولت في مقال سابق له علاقة بحلقات تأثير الأطوار الماضوية وحجم تأثيراتها على الحلم الوطني، فالإسلاميون لا زالوا غير مقتنعين بفكرة الوطن، ولا زالت فكرة الأمة الواحدة والخلافة التي تحكم بلاد المسلمين حلم يمكن تحقيقه، وفي اتجاه آخر يظهر علينا القبلي، بكل ما يحمله التاريخ العربي من عصبية، يحاول دائماً رسم خريطة أكبر لمرابع قبيلته الممتدة إلى داخل حدود الأقطار العربية المجاورة، ثم وضعها في منزلة أبعد من حدود الوطن..

دأب بعض الإسلاميين على نقد ومهاجمة مفهوم الوطنية ونعتها بالوثنية، والوصف له مغزى ولم يكن مصطلحاً عابراً أو جاء من لغو الحديث، فتشبيهها بالوثنية وصف دقيق، لأن الوطنية في مفهومها الحداثي تعني قبول فكرة التعدد، وأن هوية الوطن تأتي قبل الدين والطائفة، وهو ما يعني قبول التعددية الاجتماعية والثقافية والسياسية في مستقبل الأيام ودخول التيارات المخالفة في مجال العمل الاجتماعي، وهو ما يعيد الوطن حسب وجهة نظرهم إلى عصر الوثنية قبل الإسلام..، وهي نظرة تحتاج إلى دراسة ومراجعة من قبلهم، وذلك لأن هذا الموقف فيه خروج عن مفهوم الدولة في العصر الحديث...!!

في ظل هذه الاشكالات النظرية يظل التحدي الحقيقي أمام الوطن أن يأتي أولاً قبل الأمة والقبيلة والطائفة، ولكن كيف يصبح ذلك واقعاً لا تتجاذفه التيارات الأممية والقبلية والطائفية، وكما تعلمنا من التاريخ الحديث لن يتأتى تجاوزه من خلال خطابات ومناهج نظرية وحوارات حول الطاولات المستديرة، ولكن من خلال إحداث قفزات تنموية في اتجاه المستقبل، والعمل على التحديث على مختلف المستويات سواء كانت تنموية أو إدارية أو تعليمية أو سياسية وذلك من أجل دفع القافلة بمختلف مؤسساتها وأفرادها إلى الأمام، بعيداً عن مرجعيات لم تحمل في مضمونها الحل الواقعي أمام تحديات الاقتصاد والتنمية الحقيقية في القرن الواحد والعشرين..

تنحصر إشكالية الدولة العربية في الوقت الحاضر في أنها لازالت تعيش في منظومات قديمة جدا، بينما يعيش بقية العالم في قرية عوالم تديرها أحدث التقنيات والمعارف المتطورة جداً، ولكن عندما تقرر الدولة التخطيط من أجل تجاوز هذه المنظومات التي لم تعد تتفق مع أطوار العصور الحديثة في القرن الجديد، فإن المعادلة لها عناصر يجب العمل أولاً على تحقيقها، وذلك لأن وجه الخطورة يكمن في كيفية توقيت مراحل التطور، وفي أي اتجاه يمكن أن يحدث، فقد كانت المعضلة في التاريخ العربي الإسلامي تكمن في فشل محاولات التوفيق بين الديني والدنيوي..

وأيضاً كان ولازال الخطأ التاريخي أن تستمر الدولة تحكم بمساندة خطاب ديني أو برابط ديني مفرغ من مضمون خطابه الأصولي السياسي، وبدون إصلاحات جذرية تحد من تأثيرات هذا الإرث القوي، وهو ما يشجع استمرار صعود موجات أصولية بسبب البطء في تصحيح أوجه البيروقراطية والفساد، والذي نتج عنهما ظهور فجوة كبيرة بين طبقات العامة ومصالح الطبقة الخاصة، تسمح بدخول وانتشار الأفكار المناهضة للوطنية..، لذلك من المفترض على الدولة العصرية أن يكون لديها إستراتيجية في التطوير، وأن تقدم أمثلة حية وصادقة على قدرتها على إنتاج الإصلاح في طريق انتقالها إلى مراحل أكثر تطوراً، وذلك من أجل ضمان أمن الخطوات إلى المستقبل.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد