Al Jazirah NewsPaper Saturday  31/10/2009 G Issue 13547
السبت 12 ذو القعدة 1430   العدد  13547
مفارقات لوجستية
حركات التحرير والإرهاب
د. حسن عيسى الملا

 

عندما تحركت أوروبا للخلاص من الغزو الألماني، سُمي ذلك في قاموس اللغة العالمية (حركات تحرير) أو (حركات مقاومة) وحصل ذلك أيضاً، عندما تشكلت حركات إسلامية في أفغانستان لمقاومة الاحتلال الشيوعي أثناء التمدد السوفيتي، وسميت حينذاك (مقاومة) و(حركة تحرير).

لكن وقبل ذلك سمي الفعل ذاته في فلسطين بالتمرد وبالتخريب، ووصف المقاومون بالمتمردين والمخربين، بالضبط كما سمي المقاومون للاحتلال البريطاني والفرنسي في الشرق والمغرب العربي.

تلك التسميات تختلف باختلاف مستعمليها، فالفعل الفلسطيني في اللسان العربي والإسلامي وبعض الدول هو (مقاومة)، إلا أنه وعند دول أخرى يسمى (تخريب)، ومثل ذلك ما يجري في دارفور أو الصومال أو حتى الصين.

في الماضين استطاع المسلمون أن يعرفوا (المقاومة) بأنها جهاد الدفع ضد الغزاة، لكنهم غضوا الطرف عن تعريف حركات التحرير للأقليات المسلمة في دول قائمة مثل الشيشان في روسيا وإقليم شيانج في الصين.

بعد عام 2001 والهجوم على أمريكا، حل وصف (الإرهاب) محل (التمرد) و(التخريب)، وأصبح المعيار اللغوي السياسي لوصف فعل ما، ب(الإرهاب) أو (التحرير) معياراً نسبياً، فإن كان الفعل يخدم مصالح دولة ما، سمي (تحريراً) وإن كان العكس سمي (إرهاباً).

وهكذا، فالمقاومة في العراق وفلسطين عند بعض الدول إرهاب، وحركة تحرير عند دول أخرى، وكذلك الحال في (التيبيت) فأمريكا تعتبرها تحريراً بينما الصين تعتبرها حركة تمرد، وهكذا هو الحال في تشخيص أيّ دولة لما يتم في دارفور أو الشيشان أو جنوب الفلبين مثلاً.

عجزت الأمم المتحدة وحتى زعيمة المحاربين للإرهاب، عن تعريفه فهو فعل لا يُعرف لطبيعته ولا لخصائصه، ولا لظواهره، ولا لنتائجه، وإنما وفق من يقوم به وضد من.

وهنا، نكشف هذه المفارقة أن الأمم المتحدة ليست متحدة حتى في أبسط الأمور، وأن السياسة في هذا الزمان أصبحت تقود القانون لا تنقاد له، فالقانون الدولي يعتبر ما يحصل في وزيرستان أو صعدة أو دارفور هو تمرد مسلح ضد سلطة معترف بها دولياً، بينما للسياسة قول آخر.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد