من أغرب قصص التهاون في تطبيق معايير الأمن والسلامة في القطاع المصرفي ترك الشركة المسؤولة عن تغذية صراف أحد البنوك السعودية صناديق الجهاز الممتلئة بالنقود مفتوحة أمام المارة!. وفي تفاصيل خبر صحفي أن السيد سالم بن مطر الشمري (تفاجأ بانفتاح ماكينة الصراف الآلي في أحد المستشفيات بحي الصحافة بالرياض والتي تحتوي على صناديق مليئة بالنقود).
جرت العادة أن يُخطئ مسؤولو تغذية الصراف في مواقع الصناديق فيضع صندوق فئة الخمسمائة ريال مكان صندوق المائة، أو أن يستبدل فئات الصناديق بالخطأ، فتحدث الكارثة؛ إلا أن ترك الصناديق بأكملها مفتوحة، ومغادرة جهاز الصرف دون التأكد من تشغيله، وتشغيل جهاز الإنذار يُعتبر سابقة للشركة متعهدة التغذية، وللبنك نفسه. التقنية الحديثة لا يمكن أن تحقق أهدافها بمعزلٍ عن الكفاءة البشرية.
حادثة ترك جهاز الصرف الآلي مفتوحا بما يحتوي من أموال يقودنا إلى حوادث أخرى مشابهة، تؤكد على أن الشركات الخاصة المشرفة على أمن المصارف، نقل الأموال، وتغذية الصرافات الآلية لا ترقى إلى مستوى الكفاءة المهنية، والدقة الأمنية المعينة على حفظ أموال البنوك، وأرواح العاملين فيها. استيلاء بعض أفراد شركات الأمن على ما في حوزتهم من أموال يؤكد على الخلل الأمني الذي تعاني منه تلك الشركات. بمراجعة أمنية لمعايير الأمن الداخلي للمصارف نجد أن نظام الأمن الإلكتروني في الغالب لا يساعد على منع حدوث الجريمة، أو كشف تفاصيلها للجهات الأمنية. في حادثة القطارات الإرهابية في لندن، إستطاعات كاميرات المراقبة المنتشرة في محطات القطارات، والشوارع من كشف منفذي الاعتداء الإرهابي، وتفاصيل تحركاتهم، وما كانوا يحملونه على ظهورهم. في المقابل تعجز بعض كاميرات المراقبة في المصارف السعودية عن كشف محتالي أجهزة الصرف الآلي وسارقي بطاقات العملاء. بل إن طريقة توزيع كاميرات المراقبة الخارجية، ونوعيتها لا تساعدان، في كثير من الأحيان، على رصد عمليات السرقة، أوالإعتداءات التي تحدث في الساحات الخارجية الملاصقة للمصارف. محتوى تسجيل كاميرات المراقبة الداخلية قد يخلو من صور المطلوبين، أو ربما اتصف برداءة التسجيل ما يجعل أمر التعرف على الشخصيات المرصودة فيه، غاية في الصعوبة.
تقتضي الأنظمة أن تتولى المصارف مسؤولية أمنها الداخلي بالاعتماد على شركات الأمن الخاصة، في حين تتولى الجهات الأمنية أمر الأمن الخارجي. إضافة إلى ذلك تفرض الجهات الرسمية معايير أمنية مشددة لنقل الأموال وتغذية الصرافات بما يكفل تحقيق الأمن الشامل للموظفين والحماية للأموال المنقولة. تلك الأنظمة الأمنية المشددة تُفرَضُ أيضاً على الشركات الخاصة التي تتولى مسؤولية تغذية الصرافات الآلية نيابة عن المصارف. يقوم رجال الأمن الرسميون بتغطية عربات النقل، وفرق تغذية النقد وحمايتهم من أية أخطار متوقعة، كما أنهم يشرفون على أمن المصارف من خلال أجهزة الإنذار المبكر وعمليات التدخل السريع. نظريا يفترض أن تكون منظومة الحماية الأمنية متكاملة وفق الإستراتيجيات الأمنية الشاملة، وهو ما لم يتحقق على أرض الواقع، فشركات الأمن الخاص لم تستطع حتى اليوم تقديم الخدمات الأمنية التي ينشدها القطاع المصرفي. تفتقر شركات الأمن الخاص إلى الكفاءة التي تعينها على تحمل مسؤولياتها الأمنية ما أثر سلبا في نوعية الخدمات الأمنية المقدمة. تتعامل شركات الأمن الخاص مع أمن المصارف وفق معايير الربحية وتتهاون في تحقيق المتطلبات الأمنية التي يفترض أن تكون على رأس أولوياتها. معظم الشركات الأمنية تتعامل مع موظفيها وفق نظام (السخرة)، فهي تدفع لهم القليل وتطالبهم بالإنتاجية القصوى و الكفاءة، ما يجعلهم عبئا وخطرا يهدد المنشآت التي يقومون على حمايتها. تختار الشركات الأمنية الخاصة بعض موظفيها من المتقاعدين، ومحدودي الثقافة والتعليم، طمعا في التوفير، على حساب الكفاءة. ما تدفعه الشركات الأمنية لموظفيها لا يُقارن بأي حال من الأحوال مع ما تتقاضاه من مبالغ ضخمة من البنوك السعودية. تدني أجور أفراد الأمن الخاص إلى 1800 ريال، زيادة ساعات العمل، حرمانهم من الإجازات، وبرامج العلاج والرعاية، ربما أدى إلى خلق كثير من القضايا الأمنية، و ساعد في تدني مستوى الخدمات المقدمة للقطاع المصرفي. شركات الحراسة الأمنية، نقل النقد، وتغذية الصرافات الآلية في حاجة إلى إعادة تقييم، وتصنيف وفق المعايير الأمنية المتطورة، ومقارنة ما تتقاضاه من أموال مع ما تقدمه من خدمات خارجية للمصارف، وخدمات داخليه لموظفيها. قد تكون قضايا المصارف الأمنية محدودة في الوقت الحالي إلا أن التساهل مع تدني خدمات تلك الشركات الخاصة، وغض الطرف عن تجاوزاتها قد يقود إلى كثير من المشكلات الأمنية المستقبلية. تصنيف الشركات الأمنية الخاصة، وإلزامها بمعايير أمنية عالمية، وتوفير وسائل الحماية الإلكتروني ة، ومعدات الدفاع الشخصية الحديثة، ووضع حد أدنى لرواتب العاملين في تلك الشركات، وتغطيتهم ببرامج العلاج والرعاية، وتدريبهم على أنظمة وعدد الحماية الحديثة يمكن أن يحسن كثيرا من مستوى الخدمات الأمنية الخاصة ويجعل منها سندا لقوى الأمن، لا أن تكون عبئا عليهم وعلى القطاع المصرفي.
f.albuainain@hotmail.com