الوعي بالمستقبل وتوقع أحداثه وتحدياته، ومعرفة الفرص الممكنة من المقومات الرئيسة في صناعة النجاح، فلا يمكن أن يتحقق النجاح ويستمر دون امتلاك رؤية واضحة لأحداث المستقبل ومعالمه، بالإضافة إلى التحديات والمشاكل التي تحيط بنا، وإدراك الجميع أنه لم يعد بالإمكان الاستمرار في مواجهة تلك التحديات ومعالجة تلك المشاكل في الظروف الحالية، لذلك لابد من الإعداد لها بوقت كاف، ومحاولة التعرف على العواقب والنتائج من الآن، ولهذا انشغل العلماء والباحثون عن النجاح بالتفكير بالمستقبل، وحاولوا أن يتوقعوا أحداثه وفرصه، لامتلاك زمام الأمور مستقبلاً، وتحقيق أهدافهم وغاياتهم، واستخدموا في ذلك أدوات وأساليب عديدة، فبدؤوا من الطرق البدائية كالفراسة والحدس، وانتقلوا إلى أدوات أكثر فاعلية وأقرب إلى أساليب المنهجية العلمية، فاستعانوا بالعقل وقواعد العلم وتجارب الأمم السابقة المتراكمة، إلى إن اهتدوا إلى الطرق والأساليب الحديثة، فظهرت أساليب وأدوات عديدة، معظمها ليس جديدا علينا، بل حتى إن بعض الطرق نستخدمها في حياتنا اليومية، ولكنها أعيد صياغتها بأسلوب منهجي وعلمي، وتبنى على نتائجها القرارات.
فمن الأساليب الأكثر استخداماً في توقع المستقبل: استشارة آراء أهل الخبرة وتحليلها، والتي يتم فيها استشارة واستطلاع أراء وتوقعات الخبراء ورصد تصوراتهم عن المستقبل المتوقع؛ للوصول إلى صورة للمستقبل متفق عليها من الجميع أو الأغلبية من أهل الخبرة والرأي، وادخل العالمان هيملر ودالكي على هذه الطريقة بعض الإضافات للوصول إلى عدد اكبر من أهل الخبرة من خلال استبيانات موزعة عليهم ومناقشتها للوصول إلى تصور مشترك للمستقبل، والتي تدعى حديثا بطريقة (دلفي)، وبفضل وسائل الاتصالات الحديثة أصبح من السهل الوصول وبأقل التكاليف إلى أكبر عدد من الخبراء في مختلف الجوانب والأماكن، والتي تضفي نوعا من القوة، وإلى زيادة نسبة احتمالية التصور المشترك إذا ابتعد أهل الخبرة والرأي عن التحيز وعدم الموضوعية.
ومن الأساليب الأخرى: ما يعرف بأسلوب التناظر والإسقاط بالقرينة، وهي لا تقل أهمية عن سابقتها، والذي ينظر فيها إلى الماضي بأحداثه وإيجاد لغة الترابط بينهم، بحيث يمكن التنبؤ بتسلسل الأحداث، والتنبؤ بالأحداث اللاحقة للأحداث السابقة التي حدثت في الماضي، بالإضافة إلى الاستفادة من عواقب القرارات المتخذة في الماضي لكل الأحداث. وطريقة السلاسل الزمنية وإسقاط الاتجاه كما في التنبؤ بعدد السكان وغيره.
ومن أشهر الأساليب على الإطلاق: أسلوب السيناريو، الذي يتم من خلاله صياغة عدة سيناريوهات محتملة وممكنة تتنوع بين الأفضل والأسوأ، بالإضافة إلى صياغة سيناريوهات مرغوبة، والذي يشمل القرارات المؤدية إلى تلك المستقبليات المنشودة، والأصل أن تنتهي كل الدراسات المستقبلية بمختلف أساليبها ومناهجها إلى سيناريوهات، أي إلى مسارات وصور مستقبلية بديلة. فهذا هو المنتج النهائي المفترض لكل طرق التنبؤ بالمستقبل. ولهذا فإن بعض المستقبليين يعتبرون السيناريو الأداة التي تعطى للدراسات المستقبلية نوعاً من الوحدة المنهجية.
وهناك الكثير من الأساليب والأدوات التي تستخدم في التنبؤ بالمستقبل غير ما ذُكر، ولكن حاولنا استعراض الأشهر والأكثر تطبيقاً، ويتوقف اختيار تلك الطرق والأساليب على بعض العوامل، من أهمها الأفق الزمني، لأن هناك أساليب تناسب الأفق الزمنية القصيرة، وأساليب تناسب الأفق البعيدة، ونوعية البيانات والمعلومات المتوفرة، ومدى دقة التوقعات والتكاليف، والهدف من التنبؤ، وقدرات ومهارة الفريق.
وأخيراً، لابد من مراعاة بعض الأسس عند القيام بالدراسات المستقبلية، من أهمها النظرة الشمولية الكلية، فمن الخطأ القيام بدراسات في مجال الاقتصاد وإغفال الجوانب الأخرى كالجوانب الاجتماعية والسياسية، بل يجب مراعاة الترابط والتشابك بينهم، والذي يتطلب إعداد فريق متكامل يضم كافة التخصصات الرئيسة، بالإضافة إلى القراءة الجيدة للماضي والتعرف على التجارب والخبرات السابقة واستخلاص الدروس والعبر منها.
وقفة
* الشركة الذكية أو الإنسان الذكي، هو من يفكر في المستقبل ويعمل من أجله بجد واجتهاد، وهذا من يحقق النجاح تلو النجاح في الحاضر والمستقبل معاً.
alaidda@hotmail.com