Al Jazirah NewsPaper Saturday  31/10/2009 G Issue 13547
السبت 12 ذو القعدة 1430   العدد  13547
التوطين بين التّمني والواقع
د. عبدالله بن سعد العبيد

 

بات توظيف شبابنا السعودي قضية اليوم وحديث المجالس وهمّ المسئول، وقد سبق أن أشرت في غير مقال إلى أنه ليس بالأمر الهين ولم يكن كذلك، لكن تحقيقه ليس أيضاً من ضروب المستحيل أو الخيال.

يسعى جميع من أوكلوا هذه المهمة الوطنية الجسيمة بشتى قدراتهم وإمكانياتهم لإيجاد حلول لهذا الوضع في ظل تزايد أعداد العاطلين عن العمل والتوجس الدائم من المستقبل الذي يحمل حقيقة مفادها تزايد أعداد الشباب الباحثين عن العمل عاماً بعد آخر ما يُشكل خطراً لعلي لا أبالغ إن وصفته بخطر يفوق جميع الأخطار المعاشة اليوم لأن البطالة كما هو معلوم تُعتبر نواة وسبباً رئيساً لخلق أرضية خصبة للجريمة والمخدرات والانحرافات بشتى أنواعها.

لا شكك أن ذلك الهمّ يؤرّق جميع أجهزة الدولة ذات العلاقة، فوزارة العمل وهي الوزارة المناط بها تلك المهمة الوطنية، تعمل بجد وباجتهاد ممثَّلة في عدد من الأجهزة ذات العلاقة وكأنها تنحت بالصخر مما يواجهها من عدد من المحبطات سواءً من القطاع الخاص الذي بات أمر تعاونه مع الوزارة في سعودة الوظائف لديه أمراً محكوماً عليه بالفشل إلا من رحم ربي، أو من خلال المواطن الذي يرغب بوظيفة تناسبه شخصياً بمرتبها وعدد ساعات العمل بها، وفوق ذلك المكان والمرجعية.

نعلم جيداً أن عجلة السعودة المنشودة من قبل الدولة ممثَّلة بعدد من الجهات الرسمية تسير في حركة بطيئة جداً على الرغم من الجهود المبذولة لإنجاحها، وقد لا أبالغ في القول إن تلك العجلة ما زالت تدور في فلك الوظائف الإدارية فقط دونما الفنية منها إلا ما ندر.

وتواجه عمليات السعودة بالقطاعين العام والخاص الكثير من المعوقات بعضها مزعوم ولا وجود له وبعضها الآخر حقيقة يجب الوقوف عندها والخوض في تفصيلاتها وإيجاد الحلول السريعة لها، أما ما يتم زعمه من معوقات للسعودة بشكل عام من ارتفاع تكلفة العمالة الوطنية مقارنةً بالعمالة الوافدة له ما يدحضه إذا نظرنا للأمر من جوانب أخرى كتكلفة العامل الوافد الإجمالية وليس أجره فقط، فمعلوم أن الأجر المباشر الذي يتم دفعه للوافد لا يُعتبر مقياساً حقيقياً لكلفته حيث تجاهلَ باقي المصاريف والتي يصنفها علم الموارد البشرية بالمصاريف المتعلقة والتي غالباً ما تكون حصيلة ضرب الأجر الصافي للعامل بثمانين بالمائة من الأجر.. يُضاف إلى ذلك أهمية دوران الأجر داخل البلد، ما يسهم في رفع المستوى الاقتصادي العام الأمر الذي ستعود آثاره الإيجابية على الجهة الموظفة.

الأمر الثاني الذي يُراد له التعميم والتصديق لتشكيل فكرة سائدة لتكون مبرراً وذريعة لعدم المساهمة في إيجاد وخلق وظائف للشباب السعودي هو ما يتم زعمه من تراكم وظائف شاغرة بدون تقبُّل العاطلين لها بسبب مستويات الأجور السائدة وطبيعة العمل وظروفه وشروطه، وهذا أمر آخر قد ثبت مؤخراً وخلال السنوات الخمس الماضية ما ينافيه من خلال أمثلة كثيرة لشباب سعوديين عملوا وما زالوا كذلك في وظائف متدنية وبعيدة عن أماكن سكناهم وبأجور متدنية وبظروف بيئية سيئة.. ولكم أعزائي أن تسألوا عنهم مكاتب العمل والعمال المنتشرة بأماكن كثيرة من مدن المملكة.

أما الجوانب الرئيسة المهمة في تقييد السعودة هي ما يمكن تلخيصه في استمرار تدفق العمالة الوافدة إلى سوق العمل الذي يشكل ضغطاً هائلاً على الوضع التنافسي للعمالة الوطنية سواء بالنسبة لحصولها على وظائف جديدة أو إحلالها محل العمالة الوافدة، وهذا لا يمكن السيطرة عليه ولا ينبغي أيضاً حيث ضرورة استمرار وجود الخبرات الأجنبية في البلاد لتمكين الشاب السعودي من الاستفادة منها ونهل العلم والمعرفة.. ولا يمكن بأي حال من الأحوال اعتبار ذلك سلبية أو عائقاً يقف دون تحقيق سعودة حقيقية إذا ما تمت عملية تدفق الخبرات الأجنبية وفق ضوابط محددة تحقق الهدف منها ولا تؤدي لخلق ضغط تنافسي في الحصول على الوظيفة.

الإشكالية من وجهة نظري تأخذ عدداً من الأشكال أهمها اهتمامنا بالجانب الكمي على حساب الجانب النوعي في عملية السعودة فنتباهى بأرقام التوظيف المحققة على حساب نوعية وطبيعة الوظائف ومدى ملاءمتها لمن تم توظيفهم، وهذا قد يكون أخطر من إهمال تحقيق التوطين المنشود حيث تؤثر عشوائية التوظيف سلباً على العامل نفسه من خلال عدم ملاءمة الوظيفة التي تمَّ تعيينه عليها لمؤهلاته أو حتى قدراته ما يساهم في نشوء نوع جديد من البطالة الذي نستطيع أن نطلق عليه البطالة المدوَّرة والتي يعود طالب العمل مجدداً وخلال فترة وجيزة عاطلاً عن العمل ومطالباً الجهات الرسمية في مساعدته.

لا أعلم حقيقةً سبباً واحداً يجعلنا نستمر في سياسة ثبت فشلها وعدم نجاحها ولو نسبياً، لا أعلم سبباً واحداً يجعلنا متفائلين من القادم من الأيام في ظل ذات الطريقة التي نتعاطى فيها مع أهم قضية وطنية على الإطلاق، لا أعلم ما الذي يجعلنا نمعن في تطبيق أنظمة معينة ثبت قدرة كثيرين على التحايل عليها هرباً من تطبيقها عليهم، لا أجد مبرراً للاستمرار على النهج ذاته في التعامل مع المشكلة وعدم البحث عن بدائل.. لا أعلم ما الذي يمنع من الاستنارة والاستئناس بآراء الخبراء في المجال والاستعانة بأساتذة ذوي خبرات عريضة في المجال، لا أعلم سبباً يجعلنا هامدين على حلول غير مجدية ولا نفع بها.

نحن أحوج ما نكون في هذه الأيام لقيام جهاز مستقل يُعنى بتطوير القوى العاملة، جهاز يقوم بلعب دور فاعل ومهم في تأمين التوظيف المطلوب والتوطين المنشود، جهاز يؤمِّن لمّ شمل جميع الأذرعة الحالية لوزارة العمل، جهاز تكون مرجعيته أعلى سلطة سياسية في البلاد لضمان تحقيقه للأغراض والغايات والأهداف التي أُوجد من أجلها.. جهاز يوفر وجوده الوقت اللازم لقيام وزارة العمل بالدور الأساس لها. جهاز يمكن له أن يُحدث فارقاً في عملية القضاء على البطالة أو تخفيفها على أقل تقدير.. جهاز يكون منفصلاً تماماً عن وزارة العمل له استقلاليته ومرتبطاً بجهة أكبر من الوزارة لضمان مدّه بالقوة الكافية إن أردنا فعلاً تحقيق إنجاز للوطن، جهاز يهتم بالنوعية وجودتها ولا يُبالي ولا يُباهي بالأعداد، جهاز يقوم بتنظيم الجهد الذي يُبذل من جميع تلك القطاعات سابقة الذكر وتوحيد سياساتها ووضع أهدافها وتحديد أزمنة تحقيق تلك الأهداف التي تؤدي لنتيجة واحدة وهي توظيف الشباب وتوطين الوظائف والقضاء على البطالة المتنامية.

إننا أمام حالة اجتماعية أمنية إنسانية اقتصادية تمس أبناء الوطن وبناته وأسره وعوائله كالعمل أو التوظيف أو التوطين أو القضاء على البطالة تتطلب قراراً صارماً حازماً ملزماً يحقق الرفاهية للمواطن، وقبل ذلك المعيشة له ويقضي على كثير مما تفرزه الآثار السلبية للبطالة.. إلى لقاء قادم إن كتب الله.




 
 

صفحة الجزيرة الرئيسية

الصفحة الرئيسية

رأي الجزيرة

صفحات العدد